قائمة المدونات التي اتابعها

الخميس، 21 فبراير 2013

الصراع بين الإسلام والعلمانية والكنيسة


بسم الله الرحمن الرحيم

الصراع بين الإسلام والعلمانية والكنيسة


مفاهيم في ضوء الإسلام([1]) لها ارتباط ظاهر بالنظام السياسي في المجتمعات المختلفة على الأصول والقواعد التي قام النظام السياسي في الإسلام عليها مع ملاحظة ما يلي:

- هذه المفاهيم والمصطلحات لم تنشأ في ظل النظام السياسي الإسلامي ولا في البيئة والإسلامية بل ظهرت في ظل الأنظمة السياسية التي كانت سائدة في الغرب المتأثر بتراثه الروماني الإغريقي القديم فلابد من الرجوع لمعاني هذه المصطلحات في مصادرها الأصلية والنظر للملابسات التي واكبت ظهورها.

- التداخل بين هذه المفاهيم بسبب صدورها عن منظومة فكرية واحدة وبممارسات لها الطابع المعرفي والسياسي المترابط. وبالتالي صعوبة الفصل بينها.

- سعة هذا القسم وتشعبه: فكل مفهوم لهذه المفاهيم الأربعة يحتاج الباحث إلى الرجوع لجذوره التاريخية والأسباب المختلفة التي أدت لظهور المعاني التي يحتملها مع عرض آراء المؤيدين والمعارضين له ومناقشتها والوصول إلى نتائج علمية تحدد الموقف المتوازن منه.

العلمانية

معنى العلمانية: ترجمة لكلمة: (سيكولاريزم Secularism) الإنجليزية وحسب قاموس أكسفورد فإن معناها: العقيدة التي تذهب إلى أن الأخلاق لابد أن تكون لصالح البشر في هذه الحياة واستبعاد كل الاعتبارات الأخرى المستمدة من الإيمان بالإله أو الحياة الأخرى ([2]).

وقسمت دائرة المعارف البريطانية الإلحاد إلى قسمين: نظري، وعملي.
وأدخلت العلمانية ضمن الإلحاد العملي باعتبارها: حركة اجتماعية تهدف إلى نقل الناس من العناية بالآخرة إلى العناية بالدنيا فحسب ([3]).

ومما سبق يلاحظ خطأ بعض المعاجم العربية حين حاولت تعريب هذا المصطلح حيث اقتصرت على معنى جزئي للعلمانية هو:
 فصل الدين عن الدولة
أو بعبارة دقيقة:
فصل الدين عن الدولة مع التزام الصمت بخصوص القضايا النهائية([4]).
في حين أن المعنى الشامل للعلمانية هو:
فصل الدين عن الحياة"([5]) كما هو الظاهر بتعريفها في المعاجم الإنجليزية أو بعبارة اخرى:
 فصل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينيّة عن الحياة في جانبيها: العام والخاص، ونزع القداسة عن الإنسان وما حوله بحيث يتحول العالم بأسره إلى مادة استعمالية يوظفها الأقوى لحسابه([6])
وبغض النظر عن تقسيم للعلمانية إلى جزئية وشاملة([7]) أو ملحدة وغير ملحدة([8]) فإن الثابت معناه ان العلمانية دعوة إلى إقصاء الدين عن التأثير في حياة الناس وحصره في الجانب الأخروي فقط أو جعله من المسائل الفردية خاصة.

وعليه فإن التعريف الاصطلاحي للعلمانية الوارد في الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة يُعدُّ دقيقًا ووافيًا بالغرض حيث تقول الموسوعة عن العلمانية:
هي دعوة إلى إقامة الحياة على غير الدين وتعني في جانبها السياسي بالذات اللادينية في الحكم ([9]).

ماهي أسباب ظهور العلمانية

نبتت البذرة العلمانية في تربة أوربا وفي حين أن البلاد الإسلامية لم تعرف العلمانية ولم تشهد الدعوة لها إلا في أوائل القرن العشرين الميلادي؛ فإن أوربا ابتكرت العلمانية وطورتها قبل ذلك بكثير.

ويرى الكثير من المؤرخين أن عام 1648م هو بداية ظهور العلمانية حيث شهد ذلك العام توقيع صلح (وستفاليا) وبداية ظهور الدولة القومية العلمانية, بعدها جاءت الثورة الفرنسية فأرست القواعد لها في الحكم والحياة بقيامها بقمع كل مظاهر تدخل الدين في شؤون الحياة ولاسيما السياسة([10]).
ومن أبرز الأسباب لظهور العلمانية ما يلي:

- تحريف الدين النصراني جاء عيسى عليه السلام بعقيدة التوحيد الخالص لله تعالى كما هو شأن الأنبياء جميعًا: ôs)s9ur $uZ÷Wyèt/ Îû Èe@à2 7p¨Bé& »wqߧ Âcr& (#rßç6ôã$# ©!$# (#qç7Ï^tGô_$#ur |Nqäó»©Ü9$#  [النحل: 36]
وامتد ليشمل فصل العقيدة عن الشريعة تحت شعار نسب إلى المسيح دون سند يثبت صحته: (أدِّ ما لقيصر لقيصر وما لله لله).

وشمل التحريف مخالفات عديدة للفطرة البشرية العادية أقحمت على المسيح عيسى بن مريم مثل:

عدم رد العدوان والدفاع عن النفس تحت شعار ديني: (من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدّك الأيسر).
وعدم حفظ الحقوق المالية: (من جذب قميصك فأعطه القميص والرداء).

وإيذاء النفس لمجرد وقوع الخطأ: (إذا أعثرتك عينك فأقلعها والقها عنك).

وعدم إمكانية الجمع بين التدين والتمتع بالمباحات الدنيوية ولذا نُسب للمسيح قوله:
 (من أراد الملكوت فليترك ماله وأهله وليتبعني)

 وقوله: (من أراد الملكوت فليحمل صليبه وليتبعني)
 ولذا تم تحريم زواج رجال الدين بعد أن كان مباحًا عندهم وهذا كله يدخل في نطاق الرهبانية

- الكنيسة ورجالها

شهدت القرون الثلاثة الأولى استضعافًا للنصارى من قبل الرومان لكن الأمر تغير بصورة جذرية حين تحول قسطنطين القيصر الروماني من الوثنية إلى النصرانية فمكن للكنيسة ورجالها , وهنا بدأ سيطرة الكنيسة ورجالها على الشعوب الأوربية المختلفة حيث فرضت على الإنسان الإيمان دون مناقشة تحت شعار:آمن ولا تناقش

بل (نصبت الكنيسة نفسها عن طريق المجامع المقدسة إلهًا يحل ويحرم ينسخ ويضيف وليس لأحد حق الاعتراض أو على الأقل حق إبداء الرأي وإلا فالحرمان مصيره واللعنة عقوبته لأنه كافر مهرطق) ([11]).

وفي الجانب السياسي بلغت الكنيسة عاليا بحيث كانت سلطة البابا مهيمنة تمامًا على السلطة السياسية لدرجة أن البابا نقولا الأول أصدر بيانًا جاء فيه "إن البابا ممثل الله على ظهر الأرض يجب أن تكون له السيادة والسلطان الأعظم على جميع المسيحيين حكامًا كانوا أو محكومين"([12]).
وكان باستطاعة البابا أن يتوج الملوك والأباطرة وأن يخلع تيجانهم إذا نازعوه ورفضوا أوامره"([13]).

وفي المقابل كانت الكنيسة تشكل أقوى الدعائم السياسية للحكام في أوربا حيث تمنع الناس من الاعتراض وتدفعهم لقبول ذلك ما دام الحاكم مرضيًّا عنه من قبل البابا.

– الصراع بين الكنيسة والعلم

اتصل بعض الأوربيين بالمسلمين في فترة الحروب الصليبة ورأوا ما هم عليه, وحينئذ بدءوا في إظهار كشوفاتهم الجغرافية والعلمية وهنا ثارت ثائرة رجال الكنيسة واعتبروا ذلك هرطقة وردة عن تعاليم الكنيسة لأن تلك الكشوفات تقود إلى تخطئة ما كان عليه رجال الكنيسة فحكموا بالقتل والحرق والنفي على جملة من هؤلاء العلماء كجاليليو وغيره وأنشأوا محاكم التفتيش لتلاحق من يتركون التسليم الكامل لتعاليم رجال الكنيسة ويبتغون العلم عند غيرها([14]).

– الثورة الفرنسية:

قامت في عام 1789م ووضع لها شعارٌ تمثل في:
 "الحرية, المساواة, الإخاء"

وكان أهم أهدافها تغيير الأوضاع السائدة ولاسيما رجال الكنيسة التي حاربت العلم والتقدم وصارت أولويات هذه الثورة لا تتجاوز فصل الدين النصراني عن الحياة وإلغاء كل سلطان لرجال الكنيسة على الناس وحصرهم داخل كنائسهم.

وتبع ذلك حل للجمعيات الدينية وتسريح الرهبان ومصادرة أموال الكنيسة وإلغاء جميع امتيازاتها ومحاربة العقائد الدينية علنًا وبشدة وتبع ذلك قيام أول دولة في أوربا على أساس العلمانية التي تعني فصل الدين عن الحياة ثم تبع فرنسا على هذا الطريق سائر الغرب بما فيه الولايات المتحدة الأمريكية التي نشأت على هذا المبدأ .

ولئن كانت هذه الثورة طبيعية نظرًا للطغيان الاستثنائي الذي مارسته الكنيسة في أوربا عمومًا وفرنسا تحديدًا إلاّ أن الأمر الذي لا يعد طبيعيًّا التحول إلى النقيض رفض الدين بالكلية
وقال صلى الله عليه واله وسلم: "بعثت بالحنيفية السمحة"([15]).
وقال تعالى: â Æ÷tGö/$#ur !$yJÏù š9t?#uä ª!$# u#¤$!$# notÅzFy$# ( Ÿwur š[Ys? y7t7ŠÅÁtR šÆÏB $u÷R9$# á [القصص: 77]. وقال صلى الله عليه وسلم: "أما إني لأتقاكم لله وأخشاكم له ولكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني"([16]).

ومع ذلك أن انتقال الفكرة العلمانية إلى بلاد المسلمين لم يكن ليحدث لولا جملة من العوامل من أهمها: الانحراف العقدي (التكفير)، والاستعمار الغربي لمعظم بلاد المسلمين، وحركة الاستشراق والغزو الفكري، وجهود المنصرين لإخراج المسلمين عن دينهم، واستخدام بعض الأقليات غير المسلمة داخل العالم الإسلامي لنشر العلمانية في بلاد المسلمين.

الإسلام  والعلمانية

من خلال ما سبق عرضه اتضح أن العلمانية تتعارض مع الإسلام من جهة فصل الدين عن الدولة فهي في صورتين وبمرحلتيها الجزئية والشاملة ولا غرابة في ذلك ومن أبرز ما يؤكد هذا الموقف من العلمانية:

1 – الرجوع إلى معنى الإسلام الذي هو: الاستسلام لله والانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك أما العلمانية فإنها متجزئة الاستسلام لله في سائر شؤون الحياة المختلفة وتحصر علاقة الفرد بربه في الحياة الأخروية فقط وتتنكر لبعض الدين فلا تؤمن به كله بل تؤمن ببعض


2- العلمانية تحاول ان تُقصي الدين عن الحياة وتحصره في العبادة المحضة كالصلاة

3- العلمانية ترفض التحكيم للدين وحده .

4- العلمانية ترى أن للرجل والمرأة الحق في اختيار السلوك الذي يسيران عليه في أخلاقهما حتى لو خالف الشرع او العرف العام
   dr. Sajid Sharif Atiya  سجاد الشمري 
sajidshamre@hotmail.com

المصادر

([1]) كتب هذا القسم د. عادل بن علي الشدِّي.
([2]) انظر العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة (1/53).
([3]) انظر: "العلمانية وثمارها الخبيثة" ص(8).
([4]) وهو تعريف د. عبد الوهاب المسيري للعلمانية الجزئية في مقدمة كتابه: العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة ص(6).
([5]) انظر: العلمانية نشأتها وتطورها ص(23).
([6]) وهو تعريف د. عبد الوهاب المسيري للعلمانية الشاملة في مقدمة كتابه العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة ص(6).
([7]) انظر: العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة (1/16).
([8]) انظر: العلمانية وثمارها الخبيثة ص(15).
([9]) انظر: الموسوعة الميسرة ص (367).
([10])  انظر: العلمانية وثمارها الخبيثة ص (9), والعلمانية الجزئية ص(1/53).
([11]) انظر: العلمانية وموقف الإسلام منها ص(20).
([12]) انظر: قصة الحضارة (14/352).
([13]) انظر: العلمانية وموقف الإسلام منها ص(3).
([14]) انظر: الموجز في الأديان ص(150) ومذاهب فكرية معاصرة ص(512).
([15]) أخرجه أحمد في المسند (5/266), والطبراني في المعجم الكبير (8/170) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2924).
([16]) متفق عليه أخرجه البخاري،(كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح)، رقم (5063), ومسلم، (كتاب النكاح، باب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)، رقم (1401).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق