قائمة المدونات التي اتابعها

السبت، 9 فبراير 2013

ما لا يتم وجود الواجب المطلق إلا به فهو واجب بوجوبه


بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة الواجــب واجب بوجوبه


أختلف الفقهاء في التعبير في طرح هذا الموضوع، تارة عُبِّرَ عنه بمقدمة الواجب المطلق، وأخرى عبّر عنهُ بما لا يتم الواجب المطلق إلا به، وثالثة عبر عنه بالمقدور الذي لا يتم الواجب المطلق إلا به.
وهذه الالفاظ كلها – على اختلاف التعبيرات- رجوعها لمعنى واحد، هو: (أن ما لا يتم وجود الواجب المطلق إلا به فهو واجب بوجوبه).
ولمناقشة محل الاختلاف لحكم مقدمة الواجب والدليل لها نتعّرض لأقسامها  كما يلي:
تنقسم مقدمة الواجب بحيثيات مختلفة وهي:
ألـــف ...  حيثية النوع للأمر المرتبط بمقدمة الواجب:
وتنقسم إلى قسمين:  أ ـ مقدمة وجوب.     ب ـ مقدمة واجب. 

أ- مقدمة الوجوب: وهي المقدمة التي يتعلق بها وجوب الماهية، أي أشتغال الذمة بها سبباً كانت أم شرطاً، كدخول الوقت بالنسبة لوجوب الصلاة، فإنه سبب لوجوبها في ذمة المكلف، أي أشتغلت ذمتة بها (تكليف شرعي). وكالسنة الخمسية بالنسبة للخمس وحولان الحول بالنسبة لوجوب الزكاة، فإنه شرط لوجوبهما على المكلف.
ب - مقدمة الواجب (الوجود): وهي المقدمة التي يتعلق بها صحة وجود الشيء، أي براءة ذمة المكلف أو صحة تفريغ الذمة من الواجب للمكلف، سواء كانت شرطا أم سببا، وسواء تعلق بها وجوب الشيء إلى جانب وجوده أولا، مثل الوضوء للصلاة، فإنه مقدمة لوجود الصلاة، ولا علاقة له بوجوبها، ومثل العدد لصلاة الجمعة, فإنه مقدمة لوجوب الصلاة ووجودها معاً. 

بــاء ....  حيثية النوع بتعلق الواجب بمقدمته
فتنقسم لصورتين، وكل من هذين الصورتين ينقسم إلى ثلاثة إتجاهات:
الصورة الاولى - فهي أما أن تكون السبب لوجوب الواجب أو وجوده، أو تكون الشرط لوجوبه أو وجوده، وكل من السبب والشرط متفرع إلى عادى وعقلي وشرعي، على الشكل التالــي:
- مقدمة هي السبب لوجود أو وجوب الواجب، بمعنى آخر أن الواجب وجوبا أو صحته متوقف عليها وجودا وعدما، فيلزم من وجودها وجوده وصحته، ومن عدمها عدمهما، لأن ذلك هو السبب على ما سيأتي إن شاء الله تعالى ببركة محمد وآله الطيبين الطاهرين، وهي على ثلاثة أنواع:
الاتجاه الأول : مقدمة هي سبب شرعي لوجوب أو وجود الواجب: أي إن العلاقة الرابطة فيها بين السبب والمسبب ناتجة عن حكم الشرع، مثل دخول الوقت بالنسبة لوجوب الصلاة، فإنه سبب له بحكم الشرع.
الاتجاه الثاني :  مقدمة هي سبب عقلي لوجوب أو وجود الواجب: أي إن العلاقة الرابطة فيها بين السبب والمسبب ناتجة عن حكم العقل لا الشرع، مثل النظر بالنسبة للعلم، فإنه سبب لا بد منه له، وقد حصل له علم بذلك بحكم العقل.
الاتجاه الثالث  : مقدمة هي سبب عادي للواجب: أي إن العلاقة الرابطة فيها بين المسبب وسببه ناتجة عن حكم العادة والعرف، مثل قيام الجالس بالنسبة للقادم الداخل للغرفة بسبب الضيافة، فإن العادة هي التي قضت بسببه القيام ترحيباً بالضيف.
الصورة الثانية - أو تكون الشرط لوجود الواجب أو وجوبه، وبمعنى آخر, أن الواجب متوقف عليها انعداما لا وجودا، فيلزم من ذلك انعدامها انعدامه, ولا يلزم من وجودها وجوده، لأن ذلك هو حد الشرط على ما سيأتي إن شاء الله تعالى ببركة أهل البيت عليهم السلام ، وعلى ثلاثة إتجاهات  مثل السابق أعلاه:
الاتجاه الأول : مقدمة تكون هي شرط شرعي للواجب، أي إن العلاقة فيها بين الشرط ومشروطه ناتجة عن حكم الشرع المقدس، مثل الوضوء للصلاة، فإن الشرع هو الذي قضى بإشتراطه لصحة الصلاة ووجودها.
الاتجاه الثاني :  مقدمة تكون هي شرط عقلي للواجب، بمعنى آخر,  إن العلاقة فيها بين الشرط ومشروطه ناتجة عن حكم العقل، مثل ترك ضد الواجب لحصوله، فإن العقل هو الذي اقتضى شرطيته للواجب.
الاتجاه الثالث  : مقدمة تكون هي الشرط العادي للواجب، بمعنى إن العلاقة فيها بين الشرط ومشروطه ناتجة عن حكم العادة والعرف، مثل غسل جزء من اليد (المفصل) لإتمام غسل اليد من باب المقدمة العلمية، فإن العادة هي التي قضت بشرطيته لإتمام غسل اليد. 

جــيم ...  حيثية الواجب المتعلق بها كونه مطلقا أو مقيدا: فتنقسم إلى قسمين كما يلي :
الأول : مقدمة الواجب المطلق، وهي المقدمة التي تلاحظ أو تُعَد مقدمة لوجود الشيء فقط، وليس لها علاقة بوجوبه، مثل الضوء للصلاة، فإنه مقدمة لوجودها، ولا علاقة له بالوجوب، وسمي الواجب مطلقاً هنا لعدم تَقيدِهِ بمقدمة وجوب.
الثاني : مقدمة الواجب المقيد، وهي المقدمة التي تعتبر مقدمة لوجوب الشيء ووجوده معا، أي بمعنى هي المقدمة التي توقف فيها وجوب الشيء على ما توقف عليه وجوده، مثل الاستطاعة بالنسبة للحج, فإنه مقدمة للوجوب والوجود، وكذلك دخول الوقت، والخلو عن الحيض والنفاس، فإنها مقدمات لوجوب الصلاة ووجودها جميعا.
ومن هذا كله يُعلم أن الواجب الواحد قد يعتبر مقيداً ومطلقاً في الوقت نفسه, بالنسبة للمقدمات المرتبطة به، كالصلاة مثلاً، فهي واجب مطلق بالنسبة للطهارة من الحدث الأصغر، لأنه لا علاقة له بوجوبها، وهي واجب مقيد بالنسبة لدخول الوقت، فإنه سبب للوجوب وشرط للصحة (الوجود).
بعد هذا التقسيم لمقدمة الواجب يتضح ويسهل المناقشة بمايلي:
أحكام مقدمة الواجب :
اتفق الفقهاء على أن الواجب المقيد لا يلزم من وجوبه وجوب مقدمته، سواء كانت المقدمة شرطاً أم سبباً، وبالتالي فإن الدليل الدال على وجوب الواجب المقيد لا يدل على وجوب مقدمته، مثل إذا دخل الوقت فصلي أو ملك النصاب بالنسبة للزكاة، فالاول لايجوز الصلاة قبل وقتها (القيد هو دخول الوقت) والثاني فإنه مقدمة وجوب لها(قيد النصاب)، ولذلك لا يعد تحصيله واجباً على المكلف لغرض وجوب الزكاة عليه، لأن هذه المقدمات ليست إلى المكلف حتى يؤثر بها (حكم تعبدي).
أما مقدمة الواجب المطلق، فقد اتفق الفقهاء على وجوبها خلافاً للواجب المقيد، ما دام يتمكن منها المكلف، كالطهارة من الحدث الأصغر بالنسبة للصلاة، فإن كانت غير متمكنة للمكلف كالخلو عن الحيض والنفاس بالنسبة للصوم لم تكن واجبة، لأن التكليف بغير المقدور باطل، ولكنهم اختلفوا في دليل إيجابها، أهو دليل الوجوب نفسه أم دليل جديد خارج عنه، وذلك على أربعة إتجاهات:
الاتجاه الأول : الأصوليين: وهو أن الخطاب الدال على وجوب الشيء دال أيضا بطريق الالتزام على وجوب مقدمته، سبباً كانت أو شرطاً، عادياً كان أو عقلياً أو شرعياً، وبذلك يكون مدلوله على شيئين:
على الواجب بطريق المطابقة.(بالدلالة المطابقية)وعلى مقدمته بطريق الالتزام. (بالدلالة الالتزامية) وذلك لأن دلالة اللفظ على المعنى تنقسم إلى ثلاثة محاور :
المحور الاول : الدلالة المطابقية: وهي دلالة اللفظ على جميع معناه، كدلالة إنسان على الحيوان الناطق، فإنها دالة على كل المعنى الذي وضعت له.
المحور الثاني : الدلالة التضمنية: وهي دلالة اللفظ على جزء من معناه، كدلالة إنسان على الحيوان مطلقاً، فإنها مقصورة على بعض أفراد المعنى المراد منها.
المحور الثالث : الدلالة الإلتزامية: وهي دلالة اللفظ لا على معناه المراد منه لغة، ولكن على لازم معناه، مثل دلالة كلمة إنسان على قابليته للعلم وقابليته للنطق وغيرها.
ومن المعلوم أن الدلالة المطابقية دلالة لفظية، أما الدلالة التضمنية والالتزامية فعقليتان، بمعنى أوضح أن اللفظ فيهما لا يقيد معناه المراد منه إلا بواسطة العقل، وعلى ذلك تكون دلالة الخطاب المثبت للواجب على مقدمة الواجب دلالة عقلية لا لفظية.
الاتجاه الثاني : أن الخطاب الدال على وجوب الشيء يدل على وجوب مقدمته إذا كانت سبباً فقط، سواء كان الشرعي أو العقلي أو العادي، فإذا كانت المقدمة شرطاً, لم يكن دليل الواجب دالاً على وجوبها.
الاتجاه الثالث : أن الخطاب الدال على وجوب الشيء لا يدل على وجوب مقدمته، سواء كانت سبباً أو شرطاً، ولكن وجوبها يحتاج ويستند إلى دليل جديد.
الاتجاه الرابع : ابن الحاجب: وهو أن الخطاب الدال على وجوب الشيء يدل على وجوب مقدمته إذا كانت شرطاً شرعيا فحسب، فإذا كانت شرطا عقلياً أو عادياً أو كانت سبباً لم يدل دليل الواجب على وجوبها(1). 

 الآراء والاستدلالات لمقدمة الواجب :
منهم مّن استدل  بأن الخطاب الدال على وجوب الواجب لو لم يكن دالاً على وجوب شرطه للزم أحد أمور ثلاثة، وهي(2):
أ - أن يكون الإيجاب مقصورا على المشروط(الصلاة) دون شرطه(دخول الوقت)، وهو بمعنى جواز ترك الشرط(دخول الوقت) مع طلب المشروط(الصلاة)، لكن ترك الشرط يفضي إلى ترك المشروط، لأن المشروط(الصلاة) لا يحصل بدون شرطه(دخول الوقت)، فكان معناه طلب المشروط لتوجه الخطاب إليه، وعدم طلبه لعدم طلب شرطه. وهو تناقض .
ب - جواز فعل المشروط(الصلاة) بدون شرطه(دخول الوقت)، لأن الشرط لم يتعلق به الخطاب، وفعل المشروط دون شرطه باطل، لضرورة جعل الشرط غير شرط، وهو تناقض أيضا.
ج - أن يكون الإنسان مكلفاً بالفعل وقت انعدام شرطه، لأن الخطاب ما دام لم يتعلق بالشرط لم يكن للشرط دخل في التكليف بالفعل، والإتيان بالفعل وقت انعدام الشرط محال، ولا قدرة للمكلف عليه ضرورة أن المشروط ينعدم عند انعدام شرطه، فيكون التكليف بالفعل عند انعدام شرطه تكليفا بمحال، وهو باطل شرعاً باتفاق الجميع.
وإذا ثبتت دلالة الخطاب المتعلق بوجوب الواجب(الصلاة) على وجوب شرطه(دخول الوقت) ثبتت دلالته على وجوب سببه من باب أولى، لأن السبب كالشرط من ناحية ارتباط غيره به انعداما، ويزيد السبب عليه قوة من حيث ارتباط غيره به وجوداً أيضا(مثل دخول الوقت للصلاة إذا لم يجد الوقت لاصلاة)، خلافا للشرط (مثل الوضوء شرط للصلاة إذا انتفى الشرط لايتنتفي المشروط)، فكان أولى منه في تعلق خطاب الواجب بوجوبه.
وبذلك يتم القول على دلالة الخطاب المتعلق بالواجب على مقدمة هذا الواجب سبباً كانت المقدمة أو شرطاً.
واستدل أصحاب الاتجاه الثاني بأن السبب أقوى في ارتباطه بالواجب من الشرط، لأن ارتباط السبب به يقوم من وجهتي الوجود والعدم (وجود السبب من وجوده كدخول الوقت للصلاة)، أما ارتباط الشرط به فهو من وجهة العدم فقط، ولذلك صلح خطاب الواجب دليلا على وجوب السبب دون الشرط.
إلا أن هذا الاستدلال رد ونوقش بأن الخطاب لا تعرض فيه للسبب ولا للشرط، وإنما تعرض لإيجاب الشيء فقط (هل مقدمة الواجب واجبة)، والشرط والسبب متساويان بالنسبة للخطاب، إذ يترتب على انعدام أي منهما انعدام الواجب على حد سواء، ولا عبرة للوجه الآخر، فكان ترجيح أحدهما على الآخر هنا بدون مرجح.
واستدل أصحاب الاتجاه الثالث بأن المقدمة (للواجب) لو كانت مرادة ومقصودة للأمر للزم التصريح بها، ولكن اللفظ لم يصرح بها ولم يشملها، فلم تكن مرادة ولا مقصودة من الأمر، فلا تكون واجبة لذلك.
ونوقش ورد هذا الدليل بأن التصريح مطلوب في الواجبات الأصلية، ونحن لا ندعي ذلك، ولا نقول بوجوبها تبعا للواجب الأصلي، ولذلك لم يكن عدم التصريح بها دالاً على عدم قصدها من الآمر.
ويستدل أصحاب الاتجاه الرابع بأن الشرط إنما عرفت شرطيته من الشارع فقط، فكان عدم إيجابه بالخطاب الموجب للواجب بسبب غفلة المكلف عنه يتسبب بتركه (الشرعي)، وتركه يؤدي إلى بطلان المشروط، فلزم من ذلك اعتباره واجباً بدليل الواجب، أما الشرط العقلي والعادي فلا يسبب عدم تعلق الخطاب به غفلة عنه، لأن الرابطة فيه عقلية أو عادية، وهما قائمتان دائما وتذكران بفعله، فلم يكن ثمة من ضرورة لتعلق الخطاب بهما، فلم يكن الخطاب دالا على وجوبهما.
وبما ان هذا الاستدلال ينقض بالسبب الشرعي، ولكن الرابطة فيه بين السبب والمسبب ناتجة عن حكم الشرع أيضا، كالشرط الشرعي، مع أن أصحاب هذا الاتجاه لم يقولوا به، ولذلك كان  منقوضاً .
فتحصل من هذا يمكن القول اعتبار الخطاب الدال على الواجب بالمطابقة(الدلالة المطابقية) دالاً على مقدمته بالالتزام (الدلالة الالتزامية)، سواء كانت سبب أو شرط، شرعي أو عقلي أو عادي، وذلك لما ما تقدم من أداتهن .وهو أيضاً قابل للنقض.
dr. Sajid Sharif Atiya  سجاد الشمري 
sajidshamre@hotmail.com

هناك تعليق واحد:

  1. وفقك الله لكل خير.. الشرح مبسط وغني بالامثلة

    ردحذف