قائمة المدونات التي اتابعها

الجمعة، 15 فبراير 2013

مصادر حياة المجدد الشيخ احمد ابن تيمية الحراني الشامي


بسم الله الرحمن الرحيم

حياة المجدد الشيخ احمد ابن تيمية الحراني الشامي


من خلال الفقرات التالية : ـ ابن تيمية والحديث الشريف  ـ ابن تيمية وصفات الله تعالى ـ ابن تيمية وأهل البيت ـ ابن تيمية وعلماء الإسلام ـ ابن تيمية واليزيدية ـ أقوال العلماء فيه .

ابن تيمية : هو أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام بن عبدالله بن الخضر ابن تيمية . 
ولد سنة 661 هـ في مدينة حرّان في جزيرة الشام .
 وتوفّي سنة 728 هـ بسجن القلعة في دمشق .
كان حادّ الذكاء ، وحادّ الطبع أيضاً ، دخل السجن ثلاث مرّات بسبب بعض عقائده وبعض فتاواه .
وبقي ابن تيميّة مجهول الأصل لا يُعرف إن كان عربياً أم أعجمياً .
   عاش 67 سنة ولم يتزوّج ، ولم يذكر هو ولا أحد غيره السرّ في عزوفه عن الزواج . وترك كتباً كثيرة في العقائد والفقه .
وأصبح في ما بعد الإمام الذي تنتسب إليه الفرقة الوهّابية فهي التي جدّدت عقائده وأفكاره وروّجت لها .

 وأهم هذه الأفكار والعقائد سنقف عليها في الفقرات التالية :

1 ـ ابن تيمية والحديث الشريف :

 هل كان حقّاً ما يقوله مقلّدوا ابن تيمية : إنّه كان إماماً في الحديث ؟
أم أنّ الحق مع الآخرين الذين أعرضوا عن طريقته في التعامل مع الحديث ووصفوه بالتسرّع وعدم التثبّت واتّباع الهوى ؟
لا ينبغي أن يُطلب الجواب من هؤلاء ولا من اُولئك ، وإنّما من كلامه هو الذي يظهر فيه بوضوح اُسلوبه في التعامل مع الحديث الشريف . وإليك من بطون مصنّفاته هذه النماذج :

أ ـ في التوسّل بالنبي ( ص ) في الدعاء : نقل ابن تيميه جملة من الأحاديث التي شهد على صحّتها وردت عن بعض الصحابة والتابعين في توسّلهم بالنبيّ ( ص ) ، كالدعاء المشهور :
« اللهّم إنّي أتوجّه إليك بنبيّك نبيّ الرحمة ، يا محمّد إنّي أتوجّه بك إلى ربّك وربّي يرحمني ممّا بي » ونحوه ، ونقل عمل السلف بها عن البيهقي وابن السنّي والطبراني ، ثم وقال :
 وروي في ذلك أثر عن بعض السَلَف ، مثل ما رواه ابن أبي الدنيا في كتاب ( مجاني الدعاء ) .
 فهذا الدعاء ونحوه قد روي انّه دعا به السَلَف ، ونُقل عن أحمد بن حنبل في ( منسك المروزي ) التوسّل بالنبيّ ( ص ) في الدعاء.
 [ التوسل والوسيلة : 105 ـ 106 ].
ولكنّه في الصفحات الاُولى من هذا  الكتاب نفسه كان يقول :
إنّ أحداً من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر المسلمين لم يطلب من النبي (ص) بعد موته أن يشفع له ! ولا سأله شيئاً !
ولا ذكر ذلك أحد من أئمّة المسلمين في كتبهم ! (المصدر : 18 ) .

فأين إذن ما نقله هناك عن ابن أبي الدنيا وأحمد بن حنبل وابن السنّي والبيهقي والطبراني حتّى صرّح أنّه كان من فعل السلف التوسّل بالنبي (ص ) ؟

 ب ـ في زيارة قبر النبي (ص) وقبور الأنبياء والصالحين :

قال ما نصّه : ليس عن النبي (ص) في زيارة قبره ولا قبر الخليل حديثاً ثابتاً أصلاً .
 (كتاب الزيارة 12 ـ 13) .
وقال : « والأحاديث الكثيره المرويّة في زيارة قبره كلّها ضعيفة بل موضوعة لم يرو الأئمّة ولا أصحاب السنن المتّبعة فيها شيئاً .
 (كتاب الزيارة : 22 ، 38) .
ومع قوله هذا فهو ينقل بين الموضعين الحديث الصحيح الذي رواه ابن ماجة والدار قطني في سننه أيضاً عن رسول الله (ص) أنّه قال :
« من زارني بعد مماتي كأنّما زارني في حياتي »! لكنّه يعود فيتنكّر له ويقول لم يروِ أحد من الأئمّة في ذلك شيء ولا جاء فيه حديث في السنن!
ج ـ في التفسير وأسباب النزول : قال : حديث عليّ في تصدّقه بخاتمه في الصلاة موضوع باتّفاق أهل العلم .
(مقدّمة في اُصول التفسير : 31 ، 36) .
ثم تكلّم عن التفاسير فقال :
أمّا التفاسير التي في أيدي الناس فأصحّها تفسير محمّد بن جرير الطبري فإنّه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة وليس فيه بدعة ولا ينقل عن المتّهمين . (التفسير : 51) .

لكنّ الطبري روى هذا الحديث من خمسة طرق بأسانيدها الثابتة عند تفسير الآية : ( إِنَّما وَليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون). [المائدة : 55] .

ورواها البغوي أيضاً بل أجمع على روايتها أصحاب التفاسير قاطبةً ، فانظر هذه الآية في تفسير الطبري والبغوي والزمخشري والرازي وأبي السعود والنسفي والبيضاوي والقرطبي والسيوطي والشوكاني والآلوسي وأسباب النزول للواحدي .

 د ـ في جواز لعن يزيد بن معاوية أو عدم جوازه ينقل حديث الإمام أحمد بن حنبل فيقول : قيل للإمام أحمد :
 أتكتب حديث يزيد؟ فقال :
 لا ، ولا كرامة ، أوَليس هو الذي فعل بأهل الحرّة ما فعل؟

وقيل له بأنّ قوماً يقولون :
إنّا نحب يزيد فقال : وهل يحب يزيد أحد يؤمن بالله واليوم الآخر! فقال له ابنه صالح : لم لا تلعنه ؟ فقال الإمام أحمد :
 ومتى رأيت أباك يلعن أحداً . إنتهى . (رأس الحسين : 205)
لكن الحقّ أن حديث الإمام أحمد لم ينته بعد وإنّما له تتمّة صرّح فيها بلعن يزيد . والحديث بتمامه رواه ابو الفرج بن الجوزي وغيره وفيه:ـ
فقال أحمد : ولِمَ لا يُلعن من لعنه الله تعالى في كتابه؟ فقيل له :
 وأين لعن الله يزيد في كتابه؟ فقرأ أحمد قوله تعالى :
 (فهل عسيتم إن تولّيتم أن تُفسدوا في الأرض وتقطّعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمّهم وأعمى أبصارهم) ثم قال :
 فهل يكون فساد أعظم من القتل!
[الرد على المعتصّب العنيد لابن الجوزي : 16 والإتحاف بحب الأشراف للشبراوي 63 ، 64]

وعلى هذه الطريقة مضى مع أحاديث الرسول والسَلَف تكذيباً وتزويراً كلّما جاء الحديث بخلاف رأيه وهواه .
وفي الفقرات اللاحقة شواهد اُخرى من كلامه وتعامله مع الحديث .

2 ـ ابن تيمية وصفات الله تعالى :

 يرى ابن تيمية أن جميع ماورد في الصفات من الآيات والأحاديث يجب أن تُفهم على ظاهرها وما يؤدّيه اللفظ من معنى . بلا تأويل .

وعلى هذا قال : إن الله تعالى في جهة واحدة هي جهة الفوق ، وهو في السماء مستو على العرش وقد امتلأ به العرش فما يفضل منهُ أربعة أصابع ، وأنّه ينزل إلى السماء الدنيا ثم يعود ، وأنّه له أعضاء وجوارح من أعين وأيدي وأرجل وغاية ما في الأمر أنّها لا تشبه جوارح البشر وسائر المخلوقات!
(الحموية الكبرى : 15 ، التفسير الكبير2 : 249 ـ 250 منهاج السنّة1: 250 ، 260 ـ 261)

ويقول : والذين يؤوّلون المعنى اُولئك ما قدروا الله حقّ قدره ، وما عرفوه حقّ معرفته .(التفسير الكبير 1 : 27)

   والبرهان الذي يقدّمه ابن تيمية على عقيدته هذه زعمه أنّها عقيدة السلف من الصحابة والتابعين ، فيقول :
 قد طالعت التفاسير المنقولة عن الصحابة ، وما رووه من الحديث ، ووقفت على ما شاء الله تعالى من الكتب الكبار والصغار ، أكثر من مئة تفسير ، فلم أجد إلى ساعتي هذه عن أحد من الصحابة أنّه تأوّل شيئاً من آيات الصفات أو أحاديث الصفات بخلاف مقتضاها المفهوم المعروف . (تفسير سورة النور لابن تيمية : 178)

فَسَرَت هذه الكلمة بين مقلّديه والمغرمين به سريان الريح من غير أن يكلّفوا أنفسهم عناء النظر في كتب التفسير التي نقلت كلام الصحابة في آيات الصفات ، ولو تفسير واحد من التفاسير التي أثنى عليها ابن تيمية ، كتفسير الطبري والبغوي وابن عطيّة .
 فهذه التفاسير وغيرها مشحونة بما جاء عن الصحابة والتابعين في تأويل آيات الصفات بعيداً عن التجسيم الذي يقول به ابن تيمية والحشوية .انظر مثلاً تفسير آية الكرسي ، فقد نقل الطبري عن ابن عباس أنّ كرسيه يعني علمه ، واستشهد لذلك بكلام العرب في هذا المعنى . وهو الذي نقله البغوي ونقله الشوكاني عن ابن عطيّة ونقله القرطبي وغيرهم أيضاً .
وانظر تفسير الآيات التي فيها ذكر الوجه فلا تجد في هذه التفاسير كلمة واحدة تدلّ على عقيدة ابن تيمية وتشهد لقوله :
 بل كلّ فيها ممّا هو منقول عن السلف يشهد على ضدّه .
ففي قوله تعالى : (كلّ شيء هالك إلاّ وجهه - القصص : 88)
قالوا : أي إلاّ هو . وكذلك في قوله تعالى (ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والاكرام - الرحمن : 27) .

وفي سائر الآيات الاُخرى : (وما تنفقون إلاّ ابتغاء وجه الله - البقرة : 272) (والذين صبروا ابتغاء وجه ربّهم - الرعد :22) ، (ذلك خير للذين يريدون وجه الله - الروم : 38) ، (وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله - الروم : 39) ، (إنّما نطعمكم لوجه الله - الدهر : 9)، (إلاّ ابتغاء وجه ربّه الأعلى - الليل : 20) .
فيها جميعاً فسّروا الوجه بالثواب , ولو يرد عن أحد ولا كلمة واحدة تفيد المعنى الذي يريده ابن تيمية من ظاهر اللفظ ، أي أن الوجه هو هذه الجارحة المعروفة من الجوارح كما للإنسان والحيوان!

أما قوله تعالى : (فأينما تولّوا فثمّ وجه الله) فقد أقرّ ابن تيمية بانّ السلف قد أوّلوا الوجه هنا ، فقالوا إنّ المراد به الجهة ، لكنّه جعل هذه الآية ليست من آيات الصفات . (العقود الدرية : 248)

وهكذا نسب إلى الصحابة والسلف ما لم يقولوا به بل قالوا بعكسه تماماً ، تبريراً لمذهبه ! ورغم ذلك فإنه لم يستطع في كلّ ما كتب أن يأتي بكلمة واحدة عن واحد من الصحابة تشهد لقوله! من كلامه في التجسيم , وله في التجسيم كلام صريح كان يقوله في خطبه ، لكنّه لم يذكره بنصّه في كتبه التي وصلتنا ، فمن ذلك :

أ ـ مانقله ابن بطوطة وابن حجر العسقلاني ، أنّه قال وهو على المنبر : إنّ الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا . (رحلة ابن بطوطة : 95، الدرر الكامنة1: 154)

ب ـ ما نقله أبو حيان في تفسيريه (البحر المحيط) و(النهر) من أنّه قرأ في (كتاب العرش) لابن تيمية ما صورته بخطّه : ولكن هذا الكلام الذي نقله يوسف النبهاني في (شواهد الحق : 13) عن كتاب (النهر) لأبي حيان ، ونقله صاحب كشف الظنون في كتابه (كشف الظنون 2 : 1438) قد حذف من كتاب (النهر) المطبوع كما حذف غيره من الكلام الذي تناول فيه عقائد ابن تيمية !

ولكن ابن تيمية قد دافع عن هذا المعنى بإصرار من غير أن يذكر جلوس النبيّ معه على العرش ، وذلك في كتابه
 (منهاج السنة 1 : 260 ـ 261)

ج ـ قوله : رفع اليدين في الدعاء دليل على أن الله تعالى في جهة العُلو (الحموية الكبرى : 94 ، شرح حديث النزول : 59)

ياتُرى إذا توجّه المصلّي نحو القبلة وقال : (وجّهت وجهي للذي فطر السموات والأرض) فهل يستدل من هذا على أنه تعالى شأنه في جهة القبلة ؟ سبحانه وتعالى عمّا يصفون .

إنّ الجمود على مايُفهم من ظاهر اللفظ لأوّل وهلة يعدّ من أكبر الخطأ ، وليس هو من شأن العرب الذين نزل القرآن بلغتهم .
ففي قوله تعالى : (واعتصموا بحبل الله جميعاً) هل قال أحد إنّ الحبل هنا هو ما نفهمه من لفظ الحبل ، فعلينا أن ننتظر حبلاً بأوصاف خاصّة يتدلّى من جهة الفوق كما يريد الحشوية ، لنعتصم به!
 بل إنّهم أجمعوا هنا على تأويل الحبل بمعاني اُخرى ، فقالوا :
هو الإسلام أو القرآن ، أو الثقلان ـ كتاب الله وعترة رسوله ـ اللذان ورد الأمر بالتمّسك بهما .
إنّ من ينكر ضرورة التأويل في أمثال هذه الألفاظ فقد ارتكب جهلاً وخطأً  كبيراً ، وإنّ من ينكر تأويل السلف لآيات الصفات فقد افترى عليهم فريةً كبيرة .
زإنّ من ينكر ورود ذلك في كتب التفسير فهو كمن حفر جبّاً لأخيه فوقع هو فيه ! فهذه كتب التفسير مشحونة بروايات التأويل عن الصحابة وكبار السلف ، وباستطاعة كلّ من يُحسن القراءة أن يقف على ذلك بنفسه .

3 ـ ابن تيمية وأهل البيت :

إنّ لاهل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) منزلة عظمى أثبتها القرآن وأثبتها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأيقن بها المسلمون ، ولم يمارِ فيها إلاّ من كان في قلبه مرض .

وابن تيمية في بعض ما كتب يثبت شيئاً ممّا ورد في منزلتهم العظمى وتقديمهم على سائر الأمّة ، فيقول : ـ
إنّ بني هاشم أفضل قريش . وقريش أفضل العرب ، والعرب أفضل بني آدم ، كما صحّ ذلك عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله في الحديث الصحيح :
« إنّ الله اصطفى بني إسماعيل ، واصطفى كنانة من بني إسماعيل ، واصطفى قريشاً من كنانة ، واصطفى بني هاشم من قريش ».

ـ وفي صحيح مسلم عنه أنّه قال يوم غدير خمّ :
 « اُذكّركم الله في اهل بيتي ، اُذكّركم الله في اهل بيتي ، اُذكّركم الله في اهل بيتي » .

وفي السنن أنه شكا إليه العباس أنّ بعض قريش يحقّرونهم ، فقال : «والذي نفسي بيده لا يدخلون الجنّة حتّى يحبّوكم لله ولقرابتي » ثم قال: وإذا كانوا أفضل الخلائق فلا ريب أنّ أعمالهم أفضل الأعمال .                (رأس الحسين : 200 ـ 201)

والسؤال كيف كانت عقيدته فيهم؟ وكيف كان موقفه الدائم منهم؟

لقد كشف ابن تيمية عن عقيدته في أهل البيت وموقفه منهم بكلّ صراحة وبوضوح لا غبار عليه ، ويمكن اِجمال ذلك بالنقاط التالية :

  أ ـ الميل إلى جانب أعدائهم على الدوام : لقد كان ابن تيمية صريحاً في ميله اِلى جانب أعداء أهل البيت ، ودفاعه عنهم بكل ما يمتلك من قدرة على الجدل ولف في القول والتواء في الكلام ، يكافح عنهم ، ويختلق لهم الأعذار ، ويبّرر عداءهم لأهل البيت ، ويكذّب لأجلهم أحاديث الرسول وأئمّة السلف من الصحابة والتابعين ، ويكذّب لأجلهم حقائق التاريخ التي تواتر نقلها وأجمع عليها أهل العلم قاطبةً ، ويزوّر لأجلهم حقائق اُخرى باُسلوب يتنزّه عنه العلماء ، بل حتّى العوامّ والبسطاء.

وله في هذا كلام كثير لا يتّسع له مثل هذا العرض الموجز ، لذا سنكتفي بذكر القليل من شواهد ذلك وبكل إيجاز :

- صنّف كتاباً أسماه (فضائل معاوية وفي يزيد وأنّه لا يُسَبّ) .

هذا مع أنّ الذي ثبت عن السلف أنّه لا يصحّ في فضائل معاوية ولا حديث واحد . نقل ذلك الحافظ الذهبي عن إسماعيل بن راهويه الذي كان يقرن بالإمام أحمد بن حنبل .
 (سير أعلام النبلاء 3 : 132)

وثبت ذلك عن النسائي صاحب السنن ، الذي طلب منه أهل دمشق أن يكتب في فضائل معاوية فقال : ما أعرف له فضيلة إلاّ : « لا أشبع الله بطنه »!
(سير أعلام النبلاء14: 125، وفيات الأعيان : 1: 77)

وثبت عن الحسن البصري أكثر من ذلك ، حيث قال :
 أربع خصال كنّ في معاوية ، لو لم يكن فيه إلاّ واحدة لكانت موبقة :
انتزاؤه على هذه الاُمّة بالسيف حتّى أخذ الأمر من غير مشورة ، وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة ، واستخدامه بعده ابنه ـ يزيد ـ سكّيراً خمّيراً يلبس الحرير ويضرب بالطنابير ، وادّعاؤه زياداً وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) :
 « الولد للفراش وللعاهر الحجر » ، وقتله حُجر بن عديّ وأصحاب حجر ، فياويلاً له من حجر ، ويا ويلاً له من حجر!
(الكامل في التاريخ 3 : 487 ، تهذيب تاريخ دمشق 2 : 384)

والذي ثبت في طعنه عن عليّ بن أبي طالب وسائر أئمّة أهل البيت وابن عباس وأبي ذر وسلمان وعبادة بن الصامت وغيرهم أشهر من أن يذكر.

بل الذي ثبت فيه عن صاحبه ورفيقه عمرو بن العاص وحده يكفي شاهداً عليه بارتكاب الموبقات ومجانبة الدين وأهل الدين .
أمّا في يزيد فقد رأينا كيف زوّر ابن تيمية حديث الإمام أحمد وبتره لأجل أن يمنع من لعنه!

ثم زوّر كلّ ما ثبت من حقائق التاريخ وكلام السلف فيه وافترى عليهم كثيراً لأجل أن يختلق عذراً ليزيد . فقال :
 إنّ يزيد لم يُظهر الرضى بقتل الحسين ، وإنّه أظهر الألم لقتله! (رأس الحسين : 207)

فهل أتى بهذا الكلام من إجماع السَلَف ، أم هو من محض الهوى؟

لقد نقل التفتازاني إجماع السلف في هذه المسألة فقال في كتابه (شرح العقائد النسفية ) ما نصّه :
 « اتّفقوا على جواز اللعن على من قتل الحسين ، أو أمر به ، أو أجازه ، أو رضي به ، والحقّ أنّ رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره بذلك وإهانته اهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ممّا تواتر معناه وإن كان تفصيله آحاداً ، فنحن لا نتوقّف في شأنه ، بل في كفره وإيمانه ، لعنهُ الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه » .
(شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي 1 : 68 ـ 69 ، وانظر الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي : 62 ، 66) .

قال ابن تيمية : إن نقل رأس الحسين إلى الشام لا أصل له في زمن يزيد؟
(رأس الحسين : 207 ، الوصية الكبرى : 53)

وقال إن القصّة التي يذكرون فيها حمل الرأس إلى يزيد ونكته في القضيب كذبوا فيها؟ (رأس الحسين : 206)

فهل استند في هذا إلى أخبار الصادقين ؟

إنّه يقول : من المعلوم أن الزبير بن بكار ومحمد بن سعد صاحب الطبقات ونحوهما من المعروف بالعلم والفقه والاطّلاع أعلم بهذا الباب وأصدق في ما ينقلونه من المجاهيل الكذّابين . (رأس الحسين : 198)

ويقول : والمصنّفون من أهل الحديث في ذلك كالبغوي وابن أبي الدنيا ونحوهما هم بذلك أعلم وأصدق بلا نزاع بين أهل العلم . (رأس الحسين : 206)

إذن ماذا قال هؤلاء ـ هل كذّبوا بنقل رأس الحسين إلى الشام ونكت يزيد عليه بالقضيب ؟

إن ابن تيمية لم ينقل عنهم حرفاً واحداً في ذلك ولسبب بسيط :
 وهو أنّهم قد أثبتوا ذلك الذي أنكره ابن تيمية ، أثبتوه بأسانيدهم التي قال عنها ابن تيمية إنها الأصدق بلا نزاع بين أهل العلم !

[انظر ما نقله عنهم أبو الفرج بن الجوزي فى كتابه ، الرد على المتعّصب العنيد ، وما جاء في ترجمة الإمام الحسين من طبقات محمّد بن سعد المنشورة في مجلّة (تراثنا ـ العدد : 10) علماً أن هذه الترجمة قد سقطت من كتاب الطبقات] وسنذكر بعد قليل نصّاً جامعاً عنهم .

أمّا كلّ ما نقله ابن تيمية عنهم فهو قوله : إنّ الذين جمعوا أخبار الحسين ومقتله مثل ابن أبي الدنيا والبغوي وغيرهما ، لم يذكر أحد منهم أن الرأس قد حمل إلى عسقلان أو القاهرة ! (رأس الحسين : 197)

أليس هذا من دواعي السخرية!

وهل يصدر مثل هذا عمّن ينتسب إلى العلم وأهل العلم!

قال ابن تيمية : ويزيد لم يسبِ للحسين حريماً ، بل أكرم اهل بيته! . (منهاج السنة 2 : 226) .
 وقال : ولا سبى أهل البيت أحد ، ولا سُبيَ منهنّ أحد . (رأس الحسن : 208)

فهل اعتمد في كلامه هذا على نقل من أحد سواء كان من الثقات أو من غيرهم ؟ كلاّ أبداً ، اِنّما أطلقها حميّة ليزيد .

أمّا أصحاب التاريخ فقد أجمعوا على صحّة هذا الذي كذّب به ابن تيمية ، وهذه عبارة ابن أبي الدنيا ومحمّد سعد صاحب الطبقات الذين صرّح ابن تيمية بصحّة مانقلا من أحداث مقتل الحسين (عليه السلام) :

قال ابن أبي الدنيا ومحمد بن سعد ـ بعد أن ذكرا قتل الحسين وانتهابهم ثيابه وسيفه وعمامته ـ ما نصّه :
( وأخذ آخر ملحفة فاطمة بنت الحسين ، وأخذ آخر حليّها وبعث عمر بن سعد برأس الحسين إلى عبيد الله بن زياد ، وحمل النساء والصبيان ، فلمّا مرّوا بالقتلى صاحت زينب بنت عليّ :
 يامحمّداه ! هذا حسين بالعراء مرمّل بالدماء ، مقطّع الأعضاء . يا محمّداه ! وبناتك سبايا .
وذرّيتك قتلى تسفي عليها الصبا ! فما بقي صديق ولا عدوّ إلاّ بكا) .

قالا : ثمّ دعا ابن زياد زهير بن قيس فبعث معه برأس الحسين ورؤوس أصحابه إلى يزيد .
 وجاء رسول من قبل يزيد فأمر عبيد الله بن زياد أن يرسل إليه بثَقل الحسين ومن بقي من أهله .

قالا : ثمّ دعا يزيد بعليّ بن الحسين والصبيان والنساء وقد اُوثِقوا بالحبال فاُدخلوا عليه ، فقال عليّ بن الحسين : يا يزيد ، ما ظنّك برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لو رآنا مقرّنين بالحبال! .

ودعا بالنساء والصبيان فاُجلسوا بين يديه ، فقام رجل من أهل الشام فقال :
 ياأمير المؤمنين هب لي هذه ـ يعني فاطمة بنت الحسين! فأرعدت وظنّت أنّهم يفعلون فأخذت بثياب عمّتها زينب .
 فقالت زينب : كذبت والله ما ذلك لك ولا له .

فغضب يزيد لذلك وقال : كذبتِ ، إنّ ذلك لي لو شئت لفعلته!

قالت : كلاّ والله ما جعل الله عزّ وجلّ ذلك لك إلاّ أن تخرج من ملّتنا أو تدين بغير ديننا . ثمّ بعث بهم يزيد إلى المدينة .
 (الردّ على المتعّصب العنيد : 49 ـ 50 ، ترجمة الامام الحسين من الطبقات الكبرى لابن سعد مجلّة تراثنا عدد 10 ص192) .

وهذا متّفق عليه عند أصحاب التاريخ ولم يشذ فيه أحد . (راجع تاريخ الطبري والكامل في التاريخ والبداية والنهاية) .

أرأيت هذا الذي ضيّع الأمانة في نقل حقائق تواتر نقلها وأجمع عليها أهل الحديث والسير ، اتباعاً للهوى والعصبية ، أيكون مؤتمناً على الدين!

ب ـ تكذيبه بمنزلتهم العظمى : وله في هذا الباب كلام كثير يدلّ على عصبيّة لا حدّ لها , وقد اخترنا منه هذه النماذج :

ممّا جاء في منزلة اهل بيت الرسُل عامّة واهل بيت نبيّنا (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصّة :

قوله تعالى في اهل بيت إبراهيم (عليه السلام) : (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنّه حميد مجيد - هود : 73)

وقوله تعالى وقد ذكر ثمانية عشر نبياً بأسمائهم ثم قال : (وكلاًّ فضّلنا على العالمين . ومن آبائهم وذرّياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم - الأنعام 83 ـ 87)
وقوله تعالى : (إنّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين . ذرّيّة بعضها من بعض - آل عمران : 33 ـ 34)

وقوله تعالى فى إبراهيم (عليه السلام) : (وجعلنا في ذرّيته النبوّة والكتاب ـ العنكبوت : 27)

وقوله تعالى : (ووهبنا له اِسحق ويعقوب نافلةً وكلاًّ جعلنا صالحين . وجعلناهم أئمّةً يهدون بأمرنا - الأنبياء : 72 ـ 73 )

 وقوله تعالى في اهل بيت نبيّنا (صلى الله عليه وآله وسلم) : (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهرّكم تطهيرا - الأحزاب : 33)

وقوله تعالى : (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى - الشورى:)

وقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) :
« اللهّم هؤلاء اهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً » .
(صحيح مسلم / 2424 ، سنن الترمذي 3205 ، 3787 ، 3871 وغيرهما)

وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) من وقد سأله الصحابة (رض) عند نزول قوله تعالى :
 ( إنّ الله وملائكته يصلّون على النبيّ يا أيّها اللذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليما - الأحزاب : 56) .
فقالوا : كيف نصلّي عليك يارسول الله ؟

فقال : « قولوا : اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد » . متّفق عليه .

وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) :
« إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي » .
(صحيح مسلم 2408 ، الترمذي 3788 ، مسند أحمد 3 : 17)

فما هو موقف ابن تيمية من هذه العقيدة المسطور : في الكتاب والسنّة ؟

انّ ابن تيمية يقول بالحرف الواحد : إنّ فكرة تقديم آل الرسول هي من أثرالجاهلية في تقديم اهل بيت الرؤساء! (منهاج السنة 3 : 269) .

إذن فاصطفاء الله تعالى لاهل بيت الأنبياء والرسل وجعلهم الأئمة والقادة والأوصياء من بعدهم وإنزاله إيّاهم تلك المنازل الرفيعة وكل من أثر الجاهلية!

وكلّ ما جاء بحقّهم في السنة المطهّرة هو من أثر الجاهلية في تقديم اهل بيت الرسول!

إن لم يكن هذا هو التكذيب بالدين والسخرية بكتاب الله وسنّة رسوله ، فكيف سيكون التكذيب والسخرية!

لمّا قال تعالى : (اِنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) ودعا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً وفاطمة والحسن والحسين فجلَّل عليهم كساءً وقال :
« اللهم هؤلاء اهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا »

فوافق ابن تيمية على صحّة ذلك ، لكن ماذا رأى فيه ؟

إنّه لم ير فيه لأهل البيت أيّة مزيّة! فقال :
 إنّ هذا مجرّد إرادة من الله لهم بالتطهير ، ودعاء من النبيّ لهم بذلك ، ولا يعني هذا أنّ الله قد طهرّهم حقّاً! (منهاج السنة 2 : 117)

إن ابن تيمية لم يرد ما أراده الله ورسوله ، ولهذا فقط لم يؤمن به!

وكذّب بكلّ ما ورد بحقّهم في القرآن الكريم ـ كآيات سورة الدهر :
(ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً) التي أجمع أصحاب التفسير على أنّها نزلت فيهم .

وكقوله تعالى (إنّما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) التي أجمع أصحاب التفسير على نزولها في عليّ حين تصدّق بخاتمه وهو راكع .

وكذب بما جاء في عليّ خاصّة في السنّة الصحيحة رغم ثبوتها بالأسانيد الصحيحة والطرق المتعدّدة .

فكذّب بحديث المؤاخاة وأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) آخا عليّاً (عليه السلام) ، رغم أن هذا قد تواتر نقله وأجمع عليه أصحاب السير قاطبة . [الطبقات الكبرى لابن سعد 3 : 22 ، سيرة ابن هشام 2 : 1090 ، السيرة النبوية لابن حبان : 149 ، الاستيعاب 3 : 35 ، أسد الغابة 2 : 221و 4 : 16 ، 29 ، عيون الأثر 6 : 167 ، البداية والنهاية 7 : 348 ، شرح نهج البلاغة 6 : 167 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : 135،] .

[وأخرجه أيضاً : الترمذي في السنن ح/3720 ، والبغوي فى مصابيح السنة ح/4769 ، والحاكم فى المستدرك 3 : 14] .

أما ابن تيمية فيكذّب بذلك كلّه ويقول : اَما حديث المؤخاة فباطل (منهاج السنة 2 : 119) . ويقول : والنبيّ لم يؤاخ عليّاً .(منهاج السنة 4 : 75 ، 96) .

وعلى هذا النحو سار مع عامّة فضائل عليّ (عليه السلام) ولكن من دون أن يحمل معه أيّ دليل ومن دون أن يعتمد على نقل صحيح عن أئمّة السلف . وإنّما هو الهوى والعصبيّة .

ج ـ التنقّص منهم وتجريحهم : لم يقف ابن تيمية عند الدفاع عن خصوم أهل البيت ، ثم التكذيب بمنزلتهم ومناقبهم ، بل تعدّى وراء ذلك فأطلق عليهم لساناً لم تعرفه هذه الاُمّة إلاّ عند النواصب الذين امتلأت قلوبهم غيضاً وحقداً على آل الرسول . وهذه نُبذ من كلامهم فيهم :

إنّه ينفي أن تكون هناك مصلحة من وجود أهل البيت ، ويقول « لم يحصل بهم شيء من المصلحة واللطف » .(منهاج السنة 2 : 84)

والنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول :
 إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي : كتاب الله ، وعترتي اهل بيتي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » (سنن الترمذي 3788 ، مسند أحمد 3 : 17 ، المستدرك 3 : 148 وغيرها) .

وفي حديث آخر :
 « اِنّي تارك فيكم الثقلين : أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور . واهل بيتي ، اُذكّركم الله في اهل بيتي ، اُذكرّكم الله في اهل بيتي اُذكرّكم الله في اهل بيتي » (صحيح مسلم 2408 أخرجه بعدة طرق) .

لكن ابن تيمية أتى على هذه الأحاديث فأوّلها تأويلاً يضحك منه حتى البسطاء . .
فقال : الحديث الذي في مسلم إذا كان النبيّ قد قاله فليس فيه إلاّ الوصيّة باتّباع الكتاب ، وهو لم يأمر باتباع العترة ولكن قال :
 اُذكّركم الله في اهل بيتي! (منهاج السنة 4 : 85)

ألم تسأل نفسك ؟ ألم يقل (صلى الله عليه وآله وسلم) :
اني تارك فيكم الثقلين : أولهما كتاب الله ، ثم واصل الحديث حتى ذكر أهل البيت ، فإن كان الأمر باتباع الكتاب وحده فأين هو الثقل الثاني يا بن تيمية؟

استغراقه في الطعن في عليّ (عليه السلام) والنيل منه متمسّكاً بالقصّة الموضوعة في خطبته ابنة أبي جهل وفاطمة الزهراء عنده وكرّر الكلام فيها في أكثر من موضع من كتابه منهاج السنة !
 هذه القصّة التي نسجها المسوَر بن مخرمَة ، أو كذبها عليه الكرابيسي .

وكان الرجلان معاً ناصبيّان مشهوران ببغض عليّ والانحراف عنه وبتعظيم أعدائه وموالاتهم . وهذا معلوم جدّاً من حال الكرابيسي .                (شرح نهج البلاغة 4 : 64)

أمّا المسورَ بن مخرمة ، فكان لا يذكر معاوية إلاّ صلّى عليه! ومع ذلك فقد كان حليفاً للخوارج يجتمعون عنده ويستمعون حديثه ، بل كان ينتسبون إليه فيعدّونه قدوة لهم !
(انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 3: 390 ـ 393) .

أليس من دواعي الشك والاستغراب أن تقبل رواية هؤلاء في النيل من عليّ بن أبي طالب!
وفي حروب عليّ (عليه السلام) يقول :
عليّ إنّما قاتل الناس على طاعته ، لا على طاعة الله!

ويضيف قائلاً : فمن قدح في معاوية بأنّه كان باغياً قال له النواصب : وعليّ أيضاً كان باغياً ظالماً . قاتل الناس على إمارته وصال عليهم . فمن قتل النفوس على طاعته كان مريداً للعلّو في الأرض والفساد ، وهذا حال فرعون ، والله تعالى يقول :
 (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون عُلوّاً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتّقين) ، فمن أراد العلو في الأرض والفساد لم يكن من أهل السعادة في الآخرة!
(راجع منهاج السنة 2 : 202 ـ 205 ،232 ـ 234) .

وعلى هذا النحو مضى في صفحات عديدة من كتابه منهاج السنّة هذا الكتاب الذي شُحِن بالبدعة من أوّله إلى آخره كما هو واضح من كلّ ما نقلناه عنه في هذا المقتضب ، هذا مع أنّ الذي جاء في الحديث الصحيح في حروب عليّ صريح في شرعيّة حروبه ووجوب نصرته فيها .

ومن ذلك قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) :
 « إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلتُ على تنزيله » فاستشرف له القوم وفيهم أبو بكر وعمر ، فقال أبو بكر : أنا هو ؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم) « لا » قال عمر : أنا هو ؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم) « لا ، ولكن خاصف النعل » وكان عليّ يخصف نعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). قال أبو سعيد الخدري : فأتيناه فبشّرنا ، فلم يرفع به رأسه كأنّه قد سمع من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
 [وهذا حديث صحيح أخرجه أحمد في المسند 3 : 82 ، وابن حبان في صحيحه ح/6898 ، والحاكم في المستدرك 3 : 123 ووافقه الذهبي فقالا : صحيح على شرط الشخيين ، والخطيب في تاريخ بغداد 8 : 433 ، وابن كثير في البداية والنهاية 7 : 375]

وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهما السلام) :
 « أنا حربٌ لمن حاربتم ، وسلمٌ لمن سالتم » .
 [سنن الترمذي ح/3870 ، سنن ابن ماجة ح/145 ، مسند أحمد 2 : 442 ، مصابيح السنّة للبغوي 4 : 190] .

لكن ابن تيمية يكذّب بهذا الحديث ، وكعادته بلا أي دليل من نقل صحيح أو تحقيق علمي مقبول ، واِنّما يجادل فيه جدال امرئ عشق المراء حتّى مع كلام الله وكلام رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) !
(انظر منهاج السنة 2 : 234) .

وفي علم عليّ يتكلّم ابن تيمية كلاماً يجلّ عنه أدنى طلبة العلوم قدراً . فيقول : ليس في الأئمّة الأربعة ولا غيرهم من أئمّة الفقهاء من يرجع إلى عليّ في فقهه . فمالك أخذ علمه عن أهل المدينة ، وأهل المدينة لا يكادون يأخذون عن عليّ! وأبو حنيفة الشافعي وأحمد تنتهي طرقهم إلى ابن عباس ، وابن عباس مجتهد مستقل ، ولا يقول بقول عليّ!
 (منهاج السنّة 4 : 142 ـ 143) .

هل هو الهوى بصاحبه فما زال الهوى يحمله على قول بعد قول حتى غاص في لجج العناد فهو لا يدري ما يقول .
الى ان وضع نفسه موضع سخرية العلماء . والسالكين طريق التعلّم .
فقط مقلّديه الذي تمسّكوا بأقواله أشدّ من تمسّكهم بكتاب الله وسنّة رسول (صلى الله عليه وآله وسلم)!
لقد صنّف الإمام الشافعي كتاباً مفراداً أثبت فيه انتهاء علم أهل المدينة إلى عليّ وابن عباس .
ونقل ابن قدامة في (المغنى) عن ابن عباس أنّه كان يقول : « إذا ثبت لنا عن عليّ قول لم نَعْدُهُ اِلى غيره »
 وعن ابن عباس أيضاً : « اُعطي عليّ تسعة أعشار العلم ، وإنّه لأعلمهم بالعشر الباقي » (طبقات الفقهاء : 42) .

وفي الحسين السبط الشهيد له كلام لا تجد له نطيراً حتّى عند وعّاظ يزيد الذين كانوا يتزلّفون له في حياته , فيقول مرّة في خروج الحسين على يزيد : هذا رأي فاسد ، فإنّ مفسدته أعظم من مصلحته ، وقَلَّ من خرج على إمام ذي سلطان إلاّ كان ما تولّد على فعله من الشرّ أعظم ممّا تولّد من الخير! (منهاج السنة 2 : 241) .

ياطلاّب الحرية وعشّاق الاستقلال في التاريخ على مر السنين ما أنتم إلاّ مفسدون؟
وما عليكم إلاّ أن تذلّوا للسلاطين ، وتمدّوا ظهوركم لجلاّديه وأعناقكم لسيّافيه ، فإن المجدد ابن تيمية يقول :
« إنّ مطالبتكم بالحريّة عمل فاسد ، مفسدته أعظم من مصلحته!
لكنّ العقاد أجاد فقال : إنّ القول بصواب الحسين معناه القول ببطلان تلك الدولة . والتماس العذر للحسين معناه إلقاء الذنب على يزيد ، وليس بخاف كيف يُنسى الحياء وتُبتذل القرئح أحياناً في تنزيه السلطان القائم وتأثيم السلطان الذاهب!
 (عباس محمود العقاد : أبو الشهداء : 106)

ويعتذر ابن تيمية ليزيد : (ويزيد ليس بأعظم جرماً من بني إسرائيل ، كان بنو إسرائيل يقتّلون الأنبياء ، وقتل الحسين ليس بأعظم من قتل الأنبياء!) [منهاج السنة 2 : 247]

تأمل جيدا ؟ أرأيت عذراً أقبح من فعل كهذا!

4 ـ ابن تيمية وعلماء الإسلام :

من السمات المّميزة لشخصية ابن تيمية : حدّته ، وهُجنة اُسلوبه في الجدل .
قال يصف حواراً له مع بعض الفقهاء في مجلس أمير دمشق :
قلت : كان الناس في قديم الزمان قد اختلفوا في الفاسق الملّي ، وهو أوّل اختلاف حدث في الملّة , فقال الشيخ الكبير :
ليس كما قلتَ ، ولكن أوّل مسألة اختلف فيها المسلمون مسألة الكلام , قال ابن تيمية : فغضبتُ عليه وقلتُ :
 أخطات ، وهذا كذب مخالف للإجماع ، وقلتُ له :
 لا أدب ولا فضيلة ، لا تأدّبت معي في الخطاب ، ولا أصبت في الجواب!
 [العقود الدّرية في مناقب ابن تيمية : 235] .

فهذا هو أدب الخطاب عند الشيخ : « أخطأتَ ، هذا كذب ، لا أدب ، لا فضيلة ، لا تأدّبت ، لا أصبت » كلّها في جملة من سطر واحد!

أفتى ابن تيمية في مسألة ، وأفتى فقيه آخر بخلافه ، فردّ عليه ابن تيمية قائلاً : مَن قال هذا فهو كالحمار الذي في داره!
 (الفقيه المعذّب ابن تيمية : 152) .
كان كثير السبّ لابن عربي والعفيف التلمساني والإمام الغزالي والفخر الرازي ، وكثير النيل منهم والتهكّم عليهم ويصفهم بأنّهم فراخ الهنود واليونان .

وإذا ذكر العّلامة ابن المطهّر الحلّي ، يقول : ابن المنجّس!

وإذا ذكر دَبيران صاحب المنطق ، لا يقول إلاّ « دُبَيران » بضم الدال.  (انظر الوافي بالوفيات للصفدي 7 : 18 ـ 19 وقد دون ذلك من سماعه المباشر عن ابن تيمية في دورسه) .

هذا كلّ ما تحلّى به ابن تيمية من أدب الخطاب!

5 ـ مع اليزيدية :

إنّ لابن تيمية مع هذه الطائفة من الغُلاة كلاماً يثير الكثير من الشكوك ، ويضع العديد من علامات الاستفهام حول عقيدته.

من هذه الطائفة قوم غَلَو بيزيد بن معاوية وبالشيخ عَدي ابن مسافر الاُمويّ ، فانضافوا إلى فرق الغلاة التي أجمع المسلمون على كفرها وخروجها من الإسلام لأنّها أضافت اِلى البشر صفات الاِله جلّ جلاله ، وهذه الفرقة التي غلت بيزيد وعدي بن مسافر عُرفت بالعَدَويّة ، نسبةً اِلى عديّ بن مسافر.

لقد عاصر ابن تيمية هذه الطائفة فكتب إليهم كتاباً استهلّه بكلام لا يشبه شيئاً من كلامه في مخالفيه وخاصّة من أصحاب الفرق الاُخرى وأهل البدع الظاهرة ، أو حتّى الذين عدّهم من أهل البدع.

لقد بدء كتابه بقوله :

من أحمد بن تيمية إلى من يصل إليه هذا الكتاب من المسلمين المنتسبين إلى السنّة والجماعة ، والمنتمين إلى جماعة الشيخ العارف القدوة أبي البركات عدي بن مسافر الاُموي ، ومن نحى نحوهم ، وفّقهم الله لسلوك سبيله , سلام عليكم ورحمة الله وبركاته!
(الوصيّة الكبرى لإبن تيمية : 5) .

هكذا مع علمه بأنّهم من الغلاة ، جعلهم من المسلمين المنتسبين إلى السنّة والجماعة . ودعا لهم بالتوفيق إلى سلوك السبيل .
 ورفع إليهم تحية الإسلام . وليس ذلك لهم وحدهم ، بل لمن نحى نحوهم أيضاً وسلك طريقتهم في الغلوّ!

هذا الرجل هو الذي سلّط لسانه الجارج على أهل البيت كما رأينا سابقاً.

وهو الذي عدّ الرازي والغزالي وابن سينا من فراخ الهنود واليونان وأنّهم أضلّ من اليهود والنصارى.

وهو صاحب ذلك الكلام الجارح مع العلماء. فلأيّ شيء خاطب هذه الطائفة من الغلاة بهذا الخطاب العذب الذي لم يخاطب به أيّاً من فرق المسلمين!

لعلّ السرّ في ذلك أنّ غلوّ هؤلاء كان في يزيد بن معاوية ، وتعظيم يزيد عنده هو علامة الإنتماء اِلى أهل السنّة والجماعة ، وإن بلغ التعظيم حدّ الغلوّ , فهل ينتهي العجب لهذا الرجل الذي يروي بنفسه حديث الإمام أحمد بن حنبل الذي قال فيه :
« وهل يحبّ يزيدَ أحدٌ يؤمن بالله واليوم الآخر! » بل لعلّه لأجل هذا ونحوه لم يتقيّد بمذهب أحمد بن حنبل!

6 ـ أقوال العلماء فيه :

بعد ما رأيت من عقائده لم يعد غريباً عليك ما ستراه من فتاوى علماء المسلمين فيه بناءً على تلك الاقوال والعقائد , ولقد صنّف الحافظ ابن حجر العسقلاني هذه الفتاوى ، فقال :

 افترق الناس فيه شيعاً :

ـ فمنهم من نسبه إلى التجسيم لما ذكر في العقيدة الحموية والواسطية وغيرهما من ذلك ، كقوله :
إنّ اليد والقدم والساق والوجه صفات حقيقية ، وأنّه مستو على العرش بذاته .

ـ ومنهم من ينسبه إلى الزندقة لقوله :
 إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يُستغاث به .

ـ ومنهم من ينسبه إلى النفاق لقوله في عليّ :
إنّه كان مخذولاً حيث توجّه ، وأنّه حاول الخلافة مراراً فلم ينلها ، وإنّه قاتل للرئاسة لا للديانة ، ولقوله إنّه كان يحب الرئاسة وإنّ عثمان كان يحبّ المال . ولقوله : علي أسلم صبيّاً والصبي لا يصح إسلامه ، وبكلامه في خطبة بنت أبي جهل فإنّه شنّع في ذلك فألزموه بالنفاق لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) « ولا يبغضهُ إلاّ منافق » .

ـ ونسبه قوم إلى أنّه كان يسعى فى الإمامة الكبرى ، فإنّه كان يلهج بذكر ابن تومرت ويطريه .
(الدرر الكامنة 1 : 155) .

وهذه أقوال متعدّدة بتعدّد آرائه , وأجمل القول فيه ابن حجر في «الفتاوى الحديثية » فقال :

ابن تيمية عبدٌ خذله الله وأضلّه وأعماه وأصمّه وأذلّه , وبذلك صرّح الأئمّة الذين بيّنوا فساد أحواله وكذب أقواله , ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة كلام الإمام المجتهد المتّفق على إمامته وبلوغه مرتبة الاجتهاد أبي الحسن السبكي ، وولده التاج ، والشيخ الإمام العزّ بن جماعة ، وأهل عصره وغيرهم من الشافعية والمالكية والحنفية قال : والحاصل أن لا يقام لكلامه وزن ، وأن يرمى في كلّ وعر وحَزن . ويُعتَقد فيه أنّه مبتدع ضالّ مضلّ غال ، عامله الله بعدله ، وأجارنا من مثل طريقته وعقيدته وفعله ، آمين . (الفتاوى الحديثية : 86)

ـ رسالة الحافظ الذهبي اِلى ابن تيمية :

من أحسن ما قيل في ابن تيمية ذلك الخطاب الذي وجهّه اِليه الذهبي في رسالة شخصية ينصحه فيها ويعظه ويؤنّبه ويوبّخه ، ويكشف فيها عن كثير من سجاياه وأخلاقه . وهذا هو النصّ الكامل لتلك الرسالة :

[[الحمد لله على ذلَّتي ، يا ربّ ارحمنى وأقلني عثرتي ، واحفظ عليَّ إيماني ، واحُزناه على قلّة حزني ، ووا أسفاه على السنّة وأهلها ، واشوقاه إلى إخوان مؤمنين يعاونونني على البكاء، واحزناه على فقد اُناس كانوا مصابيح العلم وأهل التقوى وكنوز الخيرات، آه على وجود درهم حلال وأخ مونس، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وتبّاً لمن شغله عيوب الناس عن عيبه، إلى كم ترى القذاة في عين أخيك وتنسى الجذع في عينيك؟ إلى كم تمدح نفسك وشقاشقك وعباراتك وتذمّ العلماء وتتَّبع عورات الناس؟ مع علمك بنهي الرَّسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا تذكروا موتاكم إلاّ بخير فإنّهم قد أفضوا إلى ما قدموا» بل أعرف أنّك تقول لي لتنصر نفسك: إنّما الوقيعة في هؤلاء الذين ما شمّوا رائحة الإسلام، ولا عرفوا ما جاء به محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو جهاد، بل والله عرفوا خيراً كثيراً ممّا إذا عُمل به فقد فاز، وجهلوا شيئاً كثيراً ممّا لا يعنيهم ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، يا رجل! بالله عليك كفَّ عنّا، فإنّك محجاج عليم اللسان لا تقرُّ ولا تنام، إيّاكم والغلوطات في الدين، كره نبيّك (صلى الله عليه وآله وسلم)المسائل وعابها ونهى عن كثرة السؤال وقال: «إنّ أخوف ما أخاف على اُمّتي كلّ منافق عليم اللسان» وكثرة الكلام بغير زلل تقسّي القلب إذا كان في الحلال والحرام، فكيف إذا كان في عبارات اليونسيّة والفلاسفة وتلك الكفريّات التي تعمي القلوب، والله قد صرنا ضحكةً في الوجود، فإلى كم تنبش دقائق الكفريّات الفلسفيّة؟ لنردّ عليها بعقولنا، يا رجل! قد بلعت «سموم» الفلاسفة وتصنيفاتهم مرّات، وكثرة استعمال السموم يدمن عليه الجسم وتكمن والله في البدن، واشوقاه إلى مجلس يُذكر فيه الأبرار فعند ذكر الصالحين تنزل الرحمة، بل عند ذكر الصالحين يذكرون بالإزدراء واللعنة، كان سيف الحجّاج ولسان ابن حزم شقيقين فواخيتهما، بالله خلّونا من ذكر بدعة الخميس وأكل الحبوب، وجدّوا في ذكر بدع كنّا نعدّها من أساس الضلال، قد صارت هي محض النسّة وأساس التوحيد، ومن لم يعرفها فهو كافرٌ أو حمارٌ، ومن لم يكفر فهو أكفر من فرعون وتعدّ النصارى مثلنا، والله في القلوب شكوكٌ، إن سلم لك إيمانك بالشهادتين فأنت سعيدٌ، يا خيبة من اتّبعك فإنّه معرَّض للزندقة والإنحلال، لا سيّما إذا كان قليل العلم والدين باطوليّاً شهوانيّاً، لكنّه ينفعك ويجاهد عندك بيده ولسانه وفي الباطن عدوٌّ لك بحاله وقلبه، فهل معظم أتباعك إلاّ قعيدٌ مربوطٌ خفيف العقل؟ أو عاميٌّ كذّابٌ بليد الذِّهن؟ أو غريبٌ واجم قويُّ المكر؟ أو ناشفٌ صالحٌ عديم الفهم، فإن لم تصدِّقني ففتِّشهم وزنهم بالعدل، يامسلم! أقدم حمار شهوتك لمدح نفسك، إلى كم تصادقها وتعادي الأخيار؟! إلى كم تصادقها وتزدري الأبرار؟! إلى كم تعظِّمها وتصغِّر العباد؟! إلى متى تخاللها وتمقت الزهّاد؟! إلى متى تمدح كلامك بكيفيَّة لا تمدح ـ والله ـ بها أحاديث الصحيحين يا ليت أحاديث الصحيحين تسلم منك. بل في كلِّ وقت تغير عليها بالتضعيف والإهدار، أو بالتأويل والإنكار، أما آن لك أن ترعوي؟! أما حان لك أن تتوب وتنيب؟! أما أنت في عشر السبعين وقد قرب الرحيل؟! بلى ـ والله ـ ما أدَّكر أنّك تذكر الموت بل تزدري بمن يذكر الموت، فما أظنّك تقبل على قولي ولا تصغي إلى وعظي، بل لك همَّةٌ كبيرةٌ في نقض هذه الورقة بمجلّدات، وتقطع لي أذناب  الكلام، ولا تزال تنتصر حتى أقول: البتّة سكتُّ. فإذا كان هذا حالك عندي وأنا الشفوق المحبّ الوادّ فكيف حالك عند أعدائك؟! وأعداؤك ـ والله ـ فيهم صلحاء وعقلاء وفضلاء، كما أنّ أولياءك فيهم  فجرةٌ وكذبةٌ وجهلةٌ وبطلةٌ وعورٌ وبقر، قد رضيت منك بأن  تسبَّني علانية وتنتفع بمقالتي سرّاً ]فرحم الله امرءاً أهدى إليَّ عيوبي[ فإنّي كثير العيوب غزير الذنوب، الويل لي إن أنا لا أتوب، ووافضيحتي من علاّم الغيوب; ودوائي عفو الله ومسامحته وتوفيقه وهدايته، والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيِّدنا محمّد خاتم النبيِّين وعلى آله وصحبه أجمعين. ]] (الغدير 5 : 119 ـ 120) .

هذا الذي أخذ يروّج له بعض دعاة السلفية ، فاحتالوا لذلك بأن ستروا قبائح أفكاره وعقائده الضالّة وانحرافاته فهم لا يعرّجون على شيء منها بذكر رغم أنّها تشغل أكثر من ثلاثة أرباع ما كتبه من كتب ورسائل ، (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلاّ أنفسهم وما يشعرون) .
وصلى الله على محمد واله وصحبه اجمعي الى يوم الدين .
   dr. Sajid Sharif Atiya  سجاد الشمري 
sajidshamre@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق