قائمة المدونات التي اتابعها

الجمعة، 15 فبراير 2013

قاعدة الفراغ والتجاوز


بسم الله الرحمن الرحيم

قاعدة الفراغ والتجاوز

تمهيد : الفرق بين العقل العملي والعقل النظري, كما تعلمون أن العقل النظري هو الذي يعلم به وهو مدرك للواقع بخصوصيات, وأما العقل العملي فهو إدراك مايجب أن يعمل كما في مسائل الحسن والقبح, وبالمختصر المفيد الأول ما يعلم والثاني ما يعمل .

أهمية القاعدتان
اختلف العلماء في ذلك, فبعضهم قال أنهما قاعدة واحدة , وبعضهم قال : هما قاعدتان والاخير هو مبنى أكثر الاعلام .

التعريف

ويمكن تعريف قاعدة الفراغ بأنها حكم ظاهري بصحة العمل الذي يحتمل الغفلة عن إيقاعه صحيحاً , وذلك بعد الفراغ والانتهاء من العمل .
وقاعدة التجاوز : حكم ظاهري بإتيان ما يحتمل الغفلة عن الإتيان به في محله من المركب الارتباطي, وذلك بعد تجاوزه.

وقاعدة الفراغ وقاعدة التجاوز لاتجريان في أثناء الوضوء, وأما الغسل فتجريان في أثناءه, وهي (القاعدتان )  من القواعد الفقهية التي تجري في الغسل ولا تجري في الوضوء.

الروايات
عند ملاحظة الروايات والاخبار التي استندال يها, عند دراسة هذه القاعدة‏, سوف يتضح ‏عند استعراض تلك الروايات والاخبار ان لسانها ليس ‏منحصرا بالفراغ والتجاوز، بل هناك السنة اخرى مضافة الى لفظتي الفراغ والتجاوز، وهي(1) :
1- المضى: كما في رواية اسماعيل بن جابر عن ابي‏جعفر (عليه السلام) وموثقة ابن بكير عن محمد بن مسلم‏ عن ابي جعفر (عليه السلام).
2- الانصراف: كما في رواية محمد بن مسلم عن ابي عبداللّه (عليه السلام).
3- التجاوز: كما في موثقة ابن ابي يعفور عن ابي عبداللّه (عليه السلام).
4- الفراغ: ربما يتوهم ان عنوان الفراغ لم يرد في اية رواية‏ من الروايات التي ذكرت للاستدلال على القاعدة. ولكن ‏الملاحظ ان اطلاق العلماء لعنوان الفراغ له منشأ روائي، حيث ذكر هذا العنوان على لسان الائمة عليهم السلام في عدة ‏روايات: منها: ما ورد في في صحيحة علي بن يقطين: «وان كان قد فرغ من صلاته فقد تمت صلاته‏ وان لم يكن‏ قد فرغ من صلاته فليعد». وما ورد في: صحيح زرارة عن ابي جعفر عليه السلام .
ومن العلماء الاوائل الذين استعملوا مصطلح التجاوز, هو العلامة الحلي (رض) قال: «لو شك في الاتيان‏ بركن او غيره من الواجبات فان كان قد تجاوز المحل لم‏ يلتفت، مثل ان يشك‏ في النية وقد كبر، او في تكبيرة‏ الافتتاح وقد قرأ ... او التشهد وقد قام، وان كان في محله ‏لم يتجاوز عنه فانه ياتي به ، لان الاصل بعد التجاوز الفعل، اذ العادة قاضية بان الانسان لا ينتقل عن فعل الابعد اكماله، ولان اعتبار الشك بعد الانتقال حرج، لعروضه غالباً، ويقول الامام الصادق (عليه السلام): «واذا خرجت من‏ شيء ودخلت في غيره فشكك ليس بشيء ».(2) و«...لانه شك‏ في شي بعد التجاوز عن محله . »(3)
وهناك ‏شرحاً للمراد بالخروج عن الشيء المذكور في بعض ‏الروايات، حيث قال: «لعل‏المراد بالخروج عن الشيء  هو التجاوز عن محله وعدم كونه فيه. وفيها ايماء الى ان‏ تجاوز محل المشكوك فـيه انما يكون بالدخول فيما بعده، فتامل ».(4)
وكذلك «... بيان الملازمة ان الشك بعد الفراغ‏من الصلاة في ركوع الاولى اما ان يكون موجبا للاعادة اولا، فان كان الاول لزم خرق الاجماع، وان كان الثاني لزم‏اختلاف الشك بعد الفراغ والشك‏قبله في الحكم، وهوباطل لتساويهما في الموجب للاعادة . وما رواه محمدبن مسلم في الموثق عن الباقر (عليه السلام) قال: «كل ما شككت‏فيه مما قد مضى فامضه كما هو »(5)


الفرق بين القاعدة وقاعدة الحيلولة
مفاد قاعدة الحيلولة هو عدم الاعتناء بالشك ‏خارج‏  الوقت ، بخلاف قاعدة الفراغ التي يكون عدم‏ الاعتناء بالشك فيها داخل الوقت .

هل القاعدة فقهية أو أصولية
لا اشكال في ان قاعدة الفراغ والتجاوز قاعدة فقهية، انما الاشكال في الدليل الذي ذكرو لإثبات ذلك، فقد ذكر السيد الخوئي(6) رضي الله عنه  بان المناط في المسالة الاصولية امران :
احدهما: وقوعها كبرى في قياس استنباط الاحكام‏ الفرعية الكلية بعد ضم الصغرى اليها كالبحث عن حجية ‏الخبر مثلا ، فانه بعد ضم الصغرى المتمثلة بدلالة ‏الخبر على الوجوب ينتج ان الفعل الفلاني واجب .
الثاني: ان يكون تطبيق القواعد الاصولية على المصاديق ‏بيد الشارع وليس للمقلد حظ فيه ، فان تطبيق حلية ما لانص فيه على شرب التتن مثلا بيد المجتهد، فانه بعد الفحص وعدم وجدان نص فيه يحكم بحليته .
بخلاف المسائل الفقهية فان تطبيقها بيد المقلد، بل ربما يقع الاختلاف بين المجتهد والمقلد في التطبيق، فيرى ‏احدهم ان المائع الفلاني خمر والاخر يراه خلاً.
اذا عرفت ذلك تعرف ان قاعدة الفراغ ليست من مسائل‏ علم الاصول، بل هي من المسائل الفقهية ، لان ضم ‏الصغرى لها لا ينتج الا الحكم الجزئي، وهو صحة صلاة ‏الشخص عند الشك ‏في الجزء او الشرط، لا صحة كل‏صلاة، بخلاف المسالة الاصولية التي اذا ضممنا اليها صغرى الدليل تنتج حكما كلياً، كما لو قلنا خبر الواحد حجة، وخبر زرارة في وجوب السورة مثلاً من اخبار الاحاد، فتجب السورة في كل‏ صلاة‏ وهي نتيجة كلية غير مختصة بشخص معين.
هذا، بالاضافة الى ان تطبيق قاعدة الفراغ انما هو بيد المقلد، فهو الذي يرى ان هذا الشك‏ المتعلق بعدد الركعات مثلاً حدث بعد الفراغ من الصلاة .
وعلى هذا الاساس لابد من اعتبار قاعدة الفراغ من‏ القواعد الفقهية وان كانت بنفسها من نتائج المسائل‏ الاصولية ، لكونها مستفادة من الاخبار بمقتضى حجية‏ الظواهر وحجية الاخبار من حيث السند، والبحث عن‏ حجية الظواهر وحجية السند من المسائل الاصولية.
طبعاً ..في(7) المقابل ذهب بعضهم الى ان المعيار في اصولية‏ المسالة ليس ما ذكره السيد الخوئي قدس ، بل هو قابليتها لاثبات الحكم الشرعي في الشبهة الحكمية، وقاعدة‏ الفراغ والتجاوز لا علاقة لها بالشبهة الحكمية، بل يستفاد منها اثبات المتعلق الخارجي للتكليف عند الشك في‏تحققه خارجا، فحالها حال الاصول العملية المختصة‏ بالشبهات الموضوعية، وهي لذلك لا تكون من المسائل ‏الاصولية، بل هي قاعدة فقهية يستفاد منها احكام فقهية‏ ظاهرية.

هل القاعدة أمارة أم أصل
دار النقاش بين الاعلام, ان قاعدة الفراغ والتجاوز هل ‏هي من الامارات ام من الاصول؟ فذهب الاغلب الى انها من الامارات مستندين في ‏ذلك الى ان ملاكها عند العقلاء والشرع هو عدم الغفلة‏ عن العمل حين القيام به .
وببيان أوضح: ان الشك في صحة العمل بعد الفراغ او بعد التجاوز عنه ينشا من احتمال الغفلة والسهو دون ‏العمد ، لان ترك الجزء عمدا لا يجتمع مع كون المكلف‏ في مقام الامتثال ‏واصالة عدم الغفلة من الاصول ‏العقلائية الناظرة الى الواقع .
وان الاخبار الواردة في هذا المجال تكون دالة على ان ‏القاعدة من الامارات، كما في قوله (عليه السلام): «بلى قد ركعت‏»، وقوله (عليه السلام):
«وكان حين انصرف اقرب الى الحق منه ‏بعد ذلك »وقوله (عليه السلام):
«هو حين يتوضا اذكر منه حين‏ يشك ».
وهذه كلها شواهد على امارية القاعدة وكاشفيتها عن الواقع، وان اعتبارها لاجل كشفها، لا انها مجرد حكم لرفع‏ الحيرة من دون ملاحظة الواقع واحرازه حتى تكون من ‏قبيل الاصول العملية.
ومن جهة أخرى ذهب جماعة الى ان‏ القاعدة من ‏الاصول المحرزة ، لان مجرد كون الغالب في مورد جريانها الكشف عن الواقع لا يعني امارية القاعدة، لان‏ اماريتها تحتاج الى جعل الشارع، وهو ما لا يمكن‏ استفادته من الاخبار ، بل المستفاد منها خلاف ذلك،كما في قوله (عليه السلام): «اذا خرجت من شي ودخلت في غيره ‏فشكك ليس بشي »، وقوله (عليه السلام):
«كل شي شك فيه ‏مما قد جاوزه فليمض عليه ». والكثير من‏الاخبار الدالة على الغاء جهة الكشف والامارية، فما ورد من التعليل بالاذكرية في بعض النصوص محمول حينئذ على بيان حكمة الجعل والتشريع .
ولو شككنا ولم نتمكن من احراز امارية‏ القاعدة فمقتضى الاصل عدم حجيتها بمعنى عدم ‏ترتيب الاثار الشرعية للوازمها العقلية، كما هو الحال في ‏كل مشكوك الحجية .
والى ذلك من ذهب فقال : «انه لو شككنا ولم نحرز انهما من الامارات او من ‏الاصول فمقتضى القاعدة عدم ترتيب آثار الامارة‏ عليهما من ترتيب الاثار الشرعية التي للوازمهما العقلية‏ عليها ، لان مرجع هذا الشك هو الشك في اثبات اللوازم‏ بهما، والا بالنسبة الى اصل المؤدى فلا فرق بينهما، اي‏سواء كانا من الاصول او من الامارات يثبت المؤدى‏ بهما، ومعلوم ان نتيجة الشك في حجيتهما في اثبات‏ اللوازم عدم حجيتهما كما هو الشان في كل مشكوك ‏الحجية »(8).

ثمرة امارية القاعدة
يبدو ان البحث حول امارية القاعدة من البحوث التي لاثمرة مترتبة عليها.
ولكن ذكر بعضهم ترتب ثمرتين:
ألف ـ في تقديم القاعدة على الاستصحاب وسائر الاصول العملية الاخرى عند تعارضها معها .
وهذه الثمرة لا يمكن قبولها ، لان من المسلمات لدى ‏الجميع تقديم القاعدة على الاستصحاب وسائر الاصول ‏الاخرى، سواء كانت من الامارات او من الاصول،  و«اصالة الصحة في العمل بعد الفراغ عنه لا يعارض بها الاستصحاب، اما لكونها من الامارات ...واما لانها وان كانت من الاصول، الا ان الامر بالاخذ بها في مورد الاستصحاب يدل على تقديمها عليه، فهي خاصة ‏بالنسبة اليه، يخصص بادلتها ادلته، ولا اشكال في شي‏ من ذلك »(9).
وذكر بان القاعدة رغم كونها من الاصول ‏لا من الامارات الا انها حاكمة على الاستصحاب ، باعتبارها ناظرة اليه ورافعة لموضوعه الذي هو الشك، بخلاف الاستصحاب الذي ليس فيه نظر الى نفي الشك، بل نظره متوجه الى اثبات المتيقن او اليقين عند الشك ‏في زوالهما، فتكون القاعدة من هذه الناحية من قبيل‏قوله (عليه السلام): «لا شك ‏لكثير الشك »الحاكم على ادلة‏ احكام الشك المختلفة(10).
ومن المسلمات ايضاً عدم تقديم القاعدة على سائر الامارات عند تعارضها معها، كما لو شككنا بين الثلاث ‏والاربع بعد الفراغ من صلاة المغرب فقامت البينة على ‏انها اربع، فلا اشكال بينهم في تقديمها على قاعدة الفراغ‏ والحكم بفساد الصلاة .
بـاء ـ حجية مثبتات القاعدة على القول باماريتها، وذلك كما لو شككنا بعد الفراغ من الصلاة في انها كانت‏ مسبوقة بالوضوء فانه يقال حينئذ بصحة الصلاة الماتي ‏بها عن طريق قاعدة الفراغ، ويحكم ايضا بعدم وجوب ‏الاتيان بوضوء آخر لصلاة اخرى باعتبار ان ‏لازم القول ‏بصحة الصلاة الحكم بطهارة المصلي .
بخلاف ما لو اعتبرناها من الاصول لا من الامارات ، فانه‏ لايصح حينئذ اعتبار المصلي متطهرا، لان ذلك من ‏اللوازم العقلية التي لا يمكن اثباتها بالاصول والصحيح ان هذه الثمرة كسابقتها لا يمكن الالتزام بها وترتيبها حتى على القول بامارية القاعدة ، لان ما هو معروف من ان مثبتات الامارات حجة انما هو في‏ الامارات اللفظية التي هي عبارة عن البينات والاخبارات اللفظية التي فيها حكاية عن شي معين ‏يكون المخبر فيها ملتفتا الى ما تستلزمه حكايته من‏ لوازم، وذلك لثبوت السيرة العقلائية للاخذ باللوازم في ‏امثال هذه الموارد دون غيرها من الامارات الاخرى.

تقديم القاعدة على سائر الاصول
اذا كان مقتضى الاصل في المورد الذي تجري فيه ‏القاعدة هو الفساد، فلا خلاف في تقديم القاعدة عليه، والحكم بصحة العمل وان كان هناك خلاف في سبب‏ التقديم، فقال بعضهم بان القاعدة امارة فلابد من تقديمها على الاصل في حال تعارضها معه .
ومن الواضح ان هذا الكلام لا يمكن ان يكون‏ مقبولا لدى من يعتقد بان القاعدة من الاصول لا من‏ الامارات ، اذ لابد حينئذ من ذكر تعليل آخر يفترض فيه‏ كون القاعدة من الاصول لا من الامارات، كما فعل ذلك ‏الشيخ الانصاري الذي اعتبر ان القاعدة في هذا الفرض ‏ايضا مقدمة على سائر الاصول التي منها الاستصحاب، معللا ذلك بانه ما من مورد ورد الامر بجريان القاعدة‏ فيه الا وهو مؤهل لجريان الاستصحاب فيه ايضا، ولما كانت الموارد التي تجري فيها القاعدة اخص من موارد الاصول ‏دل ذلك على لزوم تقديم القاعدة على سائر الاصول وترجيحها عليها.
وهذا التعليل من الشيخ الانصاري لا مناص من قبوله ‏بناء على كون الاستصحاب اصلا عمليا واما بناء على‏كونه امارة كما هو مختار جماعة منهم السيد الخوئي وكل من تقدم على والد المحقق البهائي.
فهل يمكن قبوله والاكتفاء به؟
 ذهب السيد الخوئي الى امكان الاكتفاء به، خلافا للمحقق النائيني الذي تمسك بجواب آخر مفاده حكومة ‏القاعدة على الاستصحاب ، باعتبار ان ادلة القاعدة‏ واردة في موارد جريان الاستصحاب، كما في الشك ‏في‏ الركوع بعد الدخول في السجود، وهي لذلك تكون ناظرة الى ‏ادلة الاستصحاب وشارحة لها.
ورد السيد الخوئي على ذلك: بان الحكومة بالمعنى ‏المصطلح هو كون الدليل الحاكم بمدلوله اللفظي الى الدليل المحكوم ‏وشارحا له، بحيث لو لم يكن الدليل المحكوم موجودا لكان الدليل الحاكم لغوا،كما في قوله (عليه السلام):
«لا شك لكثير الشك » فانه حاكم على قوله (عليه السلام):«اذا شككت فابن على الاكثر » لكونه شارحا له ‏بمدلوله اللفظي ، اذ لو لم يكن للشك حكم معين من‏الاحكام لكان قوله (عليه السلام): «لا شك لكثير الشك »لغوا . وما نحن فيه ليس من هذا القبيل ، لان قوله (عليه السلام): «بلى قد ركعت‏» ليس شارحا لقوله (عليه السلام):
«ان كنت على يقين من طهارتك فلا تنقض اليقين بالشك‏» بحيث لو لم يكن هذا الحديث موجودا لكان قوله (عليه السلام): «بلى قد ركعت » لغوا لا معنى له ، اذ لا مانع من جعل قاعدة كلية تقتضي البناء على صحة‏ العمل مع الشك في صحته بعد الفراغ منه حتى لو لم يكن الاستصحاب ‏موجودا اصلا . اذن فلا يصح اعتبار القاعدة حاكمة على الاستصحاب ‏لمجرد ورودها مورده، بل لابد من اعتبارها مخصصة له كما قلنا .
ويمكن لقائل يقول:
كيف يمكن تخصيص الاستصحاب بالقاعدة‏ مع ان العلاقة بينهما عموم وخصوص من وجه؟
 اذ تفترق ‏القاعدة عن الاستصحاب بجريانها فيما اذا كان للشيء حالتان متضادتان كالطهارة والحدث فشك في المتقدم ‏منهما والمتاخر بعد الفراغ من الصلاة ، فان القاعدة هي ‏الجارية هنا دون الاستصحاب ، لان‏ جريانه في كل ‏واحدة من الحالتين يتعارض مع جريانه في الاخرى. ويفترق الاستصحاب عن القاعدة فيما اذا كان للمشكوك ‏حالة سابقة وكان الشك فيه قبل الفراغ عن العمل .
واذا كانت العلاقة بين الاستصحاب والقاعدة بهذه ‏الصورة فلابد ان تكون النسبة بينهما في مورد الالتقاء هي ‏التعارض، فلا يصح تخصيص الاستصحاب بالقاعدة‏ وتقديمها عليه .
ويمكن جوابه ان الوجه في حمل العام على الخاص ‏بصورة عامة هو الابتعاد من محذور اللغوية المترتب‏ على ترك العمل بالخاص ‏ونحن بتركنا تخصيص القاعدة ‏للاستصحاب سوف نبتلى بنفس هذا المحذور ، باعتبار ان مورد افتراقها عن الاستصحاب نادر الحدوث جدا، وهو لا يتناسب مع العدد الكبير من الروايات الدالة على‏ مشروعية القاعدة.

دليل القاعدتين
قاعدة الفراغ والتجاوز، وهي كما يلي :
الدليل الاول: الاخبار هناك عدة روايات منقولة عن الائمة عليهم السلام يمكن الاستدلال ‏بها على القاعدة، وهي على قسمين :
فمنها: اخبار عامة غير مختصة بباب من ابواب الفقه ‏دون باب، واذا كانت مختصة فهي مقرونة بتعليل يستفاد منه التعميم .
ومنها: اخبار خاصة وردت في بعض ابواب الفقه مـع ‏تجردها عن قرينة التعميم.
1 ـ موثقة محمد بن مسلم عن ابي جعفر الباقر (عليه السلام) قال:«كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو».
وهذه الموثقة تتميز عن غيرها بعمومها وشمولها لكل ‏شي شك فيه.
2 ـ صحيحة زرارة، قال: قلت لابي عبد اللّه (عليه السلام): رجل ‏شك في الاذان وقد دخل في الاقامة؟ قال: «يمضى »، ثم ‏قال: «يا زرارة، اذا خرجت من شي ثم دخلت في غيره‏ فشكك ليس بشي ».
3 ـ موثقة اسماعيل بن جابر، قال: قال ابو جعفر (عليه السلام): «ان ‏شك في الركوع بعد ما سجد فليمض، وان شك في‏السجود بعد ما قام فليمض ، كل شي شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه ».
4 ـ رواية محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه (عليه السلام): «ان شك ‏الرجل بعد ما صلى فلم يدراثلاثا صلى ام اربعا، وكان‏ يقينه حين انصرف انه كان قد اتم، لم يعد الصلاة، وكان ‏حين انصرف اقرب الى الحق منه بعد ذلك ».
ونقل الصدوق هذه الرواية عن محمد بن مسلم، الا ان في اول سندها احمد بن عبد اللّه البرقي، واباه ‏وكلاهما غير مذكورين في كتب الرجال، وان كان المظنون ‏وثاقتهما .
5 ـ موثقة بكير بن اعين، قال: قلت له: الرجل يشك بعد مايتوضا؟ قال:
«هو حين يتوضا اذكر منه حين يشك ».
6 ـ موثقة ابن ابي يعفور عن ابي عبد اللّه (عليه السلام)قال: «اذا شككت في شي من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس ‏شكك بشي ، انما الشك‏ اذا كنت في شي لم تجزه‏».
وغيرها ....
1 ـ صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه السلام): «كل ماشككت فيه بعدما تفرغ من صلاتك فامض ولا تعد».
2 ـ صحيح محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه (عليه السلام) في‏ الرجل يشك بعد ما ينصرف من صلاته، قال: فقال: «لا،ولا يعيد، ولا شي عليه ».
3 ـ صحيح محمد بن مسلم المنقول بسند الشيخ‏ الصدوق عن ابي جعفر (عليه السلام) في رجل شك بعد ما سجد انه لم يركع؟ قال:
«يمضى في صلاته حتى يستيقن ... ».
4 ـ صحيحة حماد بن عثمان، قال: قلت لابي عبد اللّه(عليه السلام):
اشك وانا ساجد فلا ادري ركعت ام لا، فقال: «قد ركعت، امضه ».
5 ـ صحيحة عبد الرحمن بن ابي عبد اللّه، قال : قلت‏ لابي عبد اللّه (عليه السلام): رجل اهوى الى السجود فلم يدر اركع ام لم يركع؟ قال: «قد ركع» .
6 ـ رواية علي بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليه السلام، قال: سالته عن رجل ركع وسجد ولم يدر هل كبر او قال ‏شيئا في ركوعه وسجوده‏ هل يعتد بتلك الركعة‏ والسجدة؟ قال: «اذا شك ‏فليمض في صلاته ».
والاعتراض في هذه الرواية هو ان في سندها عبد اللّه بن‏الحسن الذي لم يذكر بتوثيق .
7 ـ صحيحة محمد بن مسلم، قال: سمعت ابا عبد اللّه(عليه السلام) يقول: «كل ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكرا فامضه، ولا اعادة عليك فيه ».
8- صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه السلام)، قال: «اذا كنت‏ قاعدا على وضوئك فلم تدر اغسلت ذراعيك ام لا فاعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه انك لم تغسله او تمسحه مما سمى اللّه مادمت في حال ‏الوضوء فاذا قمت عن الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حال اخرى في ‏الصلاة او في غيرها فشككت في بعض ما سمى اللّه مما اوجب اللّه عليك فيه وضوءه، لا شي عليك فيه‏».
9- صحيحة محمد بن مسلم في الذي تذكر انه لم يكبر في اول صلاته، فقال: «اذا استيقن انه لم يكبر فليعد، ولكن كيف يستيقن ؟! ».
وتصريحها ان الميزان هو حصول اليقين بالخلل، فلا يكفي الشك اذا كان قد دخل في صلاته .
10- صحيحة زرارة وبكير ابني اعين، قال (عليه السلام) : «اذا استيقن انه زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتد بها، واستقبل صلاته استقبالا اذا كان قد استيقن يقينا».
ووضوح دلالتها على ان الميزان هو حصول اليقين ‏بالخلل وعدم الاعتناء بالشك‏ فيه بعد الفراغ عن الصلاة.
11- الرواية المروية في (الجعفريات) باسناده عن‏ جعفر بن محمد (عليه السلام) عن ابيه (عليه السلام)، قال: «من شك في‏ وضوئه بعد فراغه فلا شي عليه ».
12- الرواية المروية في الدعائم عن جعفر بن محمد عليه السلام، قال:
«من شك في شي من صلاته بعد ان خرج منه مضى ‏في صلاته، وان شك في شي من الصلاة بعد ان يسلم ‏منها لم تكن عليه اعادة ».
13- رواية (قرب الاسناد)، قال: سالته عن رجل يكون‏ على وضوء ويشك على وضوء هو ام لا؟ قال: «اذا ذكر وهو في صلاته انصرف فتوضا واعادها، وان ذكر وقد فرغ عن صلاته اجزاه ذلك ».
واشكال الرواية انها ضعيفة بعبد اللّه بن‏الحسن .
14- رواية ابن ادريس نقلا عن كتاب حريز في‏ مستطرفات (السرائر)، وفيها: «وان دخله الشك ‏بعد ان ‏يصلي العصر فقد مضت، الا ان‏ يستيقن ، لان العصر حائل فيما بينه وبين الظهر، فلا يدع الحائل ‏لما كان من الشك الا بيقين ».
والرواية هذه لا يصح الاستدلال بها على القاعدة، وذلك :
الاول: لضعفها بالسند ، لعدم العلم بطريق ابن ادريس الى ‏كتاب حريز .
والثاني: أنها تدل على قاعدة اخرى، وهي قاعدة ‏الحيلولة، وهي تختلف موضوعا وملاكا مع قاعدة الفراغ.
15 ـ رواية زرارة عن ابي جعفر (عليه السلام)، قال: قلت له: رجل ‏ترك بعض ذراعه او بعض جسده من غسل الجنابة؟ قال:«... فان دخله الشك وقد دخل في صلاته فليمض في صلاته ولا شي عليه‏ وان استيقن ‏رجع فأعاد عليه الماء ».
16 ـ رواية فضيل بن يسار، قال: قلت لابي عبد اللّه (عليه السلام):استتم قائما فلا ادري ركعت ام لا؟ قال: «بلى، قد ركعت، فامض في صلاتك، فانما ذلك من الشيطان ».
دليل الاجماع  فقد ادعي الاجماع على العمل بهذه القاعدة في ابواب‏الفقه المختلفة، قال: «استدل عليه ايضا مضافا الى الاخبار بوجوه اخر، منها الاجماع في الجملة».(11)

الـمُـنـاقــشـة  بصورة أُخـرى

الفرض ..
من قرأ في الصلاة أية من الفاتحة وبعدها آية من السورة سهوا أو غفلة وبعد الالتفات شك هل هو في الفاتحة فتكون الآية الثانية زائدة أو في السورة فتكون الآية الأولى زائدة .
التوضيح : عن وظيفته مع البيان للوجه ؟
...إذا شك المصلي في قراءة الفاتحة وقد شرع في قراءة السورة يمضي ولا يعتني بشكه أما إذا كان اصل الشك في قراءة الفاتحة اتى بها قبل الدخول في السورة.
ما ذكر هو قضية كلية فهل هي تنطبق على مانحن فيه يعني هل يعتبر على الفرض اعلاه أنه دخل في السورة أم لا ؟ لكي نجري قاعدة التجاوز أم ماذا ؟

فنقول له :  القاعدة الكلية للشك في اجزاء الصلاة هي ان من شك في فعل من أفعال الصلاة وقد دخل فيما بعده بنى على الإتيان به ومضى في صلاته . أما إذا شك في صحة الجزء وهو مشتغل به قبل الفراغ منه فعليه اعادة الجزء.  ومفروض السؤال هو الشك في أنه هل سها عن الفاتحة أم لا وقد جاز الفاتحة التي شك في أنه سها عنها أو لا الى السورة . فاذا كان الشك في السهو وعدمه وهو في محل يتلافى فيه المشكوك فيه اعاده مع مراعاة المكلف رأي من يقلد.
واما اذا كان شكه من النوع الوسواسي فلا يعتني بشكه ويبني على وقوع المشكوك فيه .
 وعلى كل حال لا أثر لكثرة الشك في غير عدد ركعات الفريضة.
كما أن من يشك في قراءة الفاتحة وهو في السورة ، والظاهر ان المشهور وجوب الاعادة لعدم تحقق التجاوز عن المحل فان القراءة الشاملة لكل من الفاتحة والسورة أمر واحد(12) .
وأن مجرى قاعدة التجاوز هو الدخول في الغير فما نحن فيه لماذا لا يكون كذلك حيث أنه دخل في الغير وهو جزء السورة التي بعد الفاتجة كما هو الفرض أعلاه, وهذا الجزء مترتب على الفاتحة سواء كان ترتبه مباشر أو غير مباشر فمجرى قاعدة التجاوز متحقق وهو الشك بعد الدخول في الغير فتجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الفاتحة ويكمل السورة ولا شيء عليه .

فكيف نُجري قاعدة التجاوز هنا...
ما ذكر لا يُعدُ شكاً في الشيء بعد الدخول في غيره ، نعم يمكن اجراء قاعدة التجاوز إن شك في الفاتحة بعد الدخول بالسورة.
 - على من يقول أن الفاتحة فعل والسورة فعلٌ آخر
- أما من يرى أن القراءة بتمامها فعلٌ واحد فلا يمكنه إجراء قاعدة التجاوز حتى لو شكَ في الفاتحة بعد الدخول بالسورة ، حال ذلك حال الوضوء الذي يُنظر إليه كفعلٍ واحد .
من جهة أن القراءة فعل واحد صحيح لانه يكون شك أثناء العمل فلا تجري.
ولكن عند من يرى أن القراءة ليس بفعل واحد فهل تعد تجازوا أم لا ؟ كما عليه السيد الخؤئي رضي الله عنه.
وجوابه : حتى على مبنى السيد الخوئي رضي الله عنه لا يمكن إجراء قاعدة التجاوز، لأن الشك هنا متعلقٌ بأصل الوجود لا بصحة الموجود كي نجري القاعدة، فالمُكلف في مفروض المسألة قرأ آية من الفاتحة وأخرى من السورة، سهوا.ً

فما هو المٌقرر الذي نتجاوز عنه ...

حتى على مبنى السيد الخوئي (قُدس سره)  لا يمكن إجراء قاعدة التجاوز،
لأن الشك هنا متعلقٌ بأصل الوجود لا بصحة الموجود كي نجري القاعدة.
فتحصل إنه لا يمكن إجراء قاعدة التجاوز، لأن الشك هنا متعلقٌ بأصل الوجود لا بصحة الموجود كي نجري القاعدة .
وكما أن مجرى قاعدة التجاوز هو الشك في الوجود لا في الصحة ومجرى الشك في الصحة هو قاعدة الفراغ هذا والشيء الآخر لماذا لا يعد متجاوزا وهو يعلم بانه دخل في جزء من السورة التي بعد الفاتحة فالتجاوز ظاهرا محقق فلماذا لاتجرى قاعدة التجاوز.
هذا الكلام يستقيم إن كان الشك في أصل الوجود مع الدخول في الغير الشرعي، فحتى على ماتبين لا تجري قاعدة التجاوز، فالمُكلف في الفرض اعلاه لم يتجاوز الفاتحة، لأن السهو لا يُعدُ تجاوزاً ، والشك في أصل الوجود يُعتبر فيه الدخول في الغير الشرعي، ولا غير في ما نحن فيه.
ومن جهة أخرى فهو بخصوص الفاتحة نفسها ،  ونأجل الكلام فيه لحين بيان عدم إمكان تجاوز الفاتحة.
لا يخفى أن منشأ الشك في الأتيان بالسابق بعد الدخول في اللاحق هو الغفلة أو السهو عن الاتيان مع أحتمال الالتفات, ففي أكثر موارد التجاوز يكون الملكف حاله هكذا أي في أثناء الشك يقول في نفسه هل أنا تركت الجزء السابق سهوا ودخلت في المترتب عليه أم لم أتركه بمعنى أم هل أتيت به, فيجري قاعدة التجاوز.
كمن دخل في التشهد وشك بالاتيان بالسجدة الثانية ؟
فهو يحتمل أنه لم يأت بالسجدة ودخل في التشهد غفلة أو أتى بها ومع ذلك تجري قاعدة التجاوز مع أن التشهد سهواً, بمعنى لا أدري هل هو من الصلاة أم لا ؟ وهذا حاصل في أكثر موارد جريان القاعدة.
وبما ان مورد جريان قاعدة التجاوز هو الدخول في الجزء المترتب شرعا و الترتب سواء كان مباشرا أم لا .
فمانحن فيه من هذا القبيل فان الآية من السورة مترتبة على الفاتحة والشك كان بعد الدخول في المترتب فيكون الشك بعد التجاوز فتجري لتحقق شروط جريانها وما ذكر لا يقدح بذلك.
هذا.. ليس كسابقه، فالفرق واضح بين الشك هنا وبين الشك المترتب على السهو في مفروض التوضيح المطلوب اعلاه.
ولو قلنا ما هو اليقين السابق ، أي القدر المتيقن الذي أتى به ومن ثم حصل عنده السهو وبالتالي الشك .

 
الاول :: من يخص القاعدة بالاجزاء المستقلة فهو إن كان يرى أن مجموع الفاتحة والسورة جزء مستقل معنون بالقراءة , فإنه يوجب الاعتناء لامحالة في فرض السؤال ومرجعه قاعدة الاشتغال وإن كان يرى أن كل واحد منهما (الفاتحة والسورة ) جزء مستقل بحيث لولم يكمل السورة لايقال له أنه دخل في جزء آخر وحيث أن المفروض في المسألة دخوله في بعض السورة فعليه لاتجري قاعدة التجاوز لعدم تحقق الدخول في الغير والمرجع حينئذ قاعدة ألأشتغال.

الثاني ::  ومن يرى ان القاعدة تشمل جميع الاجزاء المستقلة وغيرها مثل
ابعاض السور فإنه لايوجب الاعتناء في الفرض المذكور لتحقق الدخول في الغير سواء جعل مجموع الفاتحة والسورة جزءا مستقلا أم جعل كل واحد منهما جزءا مستقلاً (المرجع قاعدة التجاوز) . والثاني اقرب للأطلاق الموجود في صحيحة زرارة عن أبي عبدالله عليه السلام حيث قال في آخر الصحيحة (يازرارة اذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء) ويمكن مخالفة هذا الرأي بما هو :
حتى على فرض القول بشمول القاعدة للأجزاء المستقلة وأبعاض السور ، لا يمكن إجراء قاعدة التجاوز في الفرض المذكور. من الثاني اعلاه . والإطلاق الوارد في صحيحة زرارة مفاده الدخول في الغير الشرعي وهو غير متحققٍ هنا.
وقلنا سابقاً.. بعد الالتفات شك هل هو في الفاتحة فتكون الآية الثانية زائدة أو في السورة فتكون الآية الأولى كما يلي :

 
ألف : يشك هل هو في الفاتحه فتكون الاية الثانيه زائدة.

 
بـاء : يشك هل هو في السورة فتكون الاية الاولى زائده.


فالظاهر ان المكلف لم يحرز الدخول بالغير بل يشك فيه وعليه لابد من الاعتناء. وأما لو كان متيقن بأنه زاد آية لكن لا يعلم هل الزيادة في الفاتحة أو السورة . وبما أنه ليس متيقن بأنه قد دخل في السورة فيمكن القول, هو في الفاتحة وزيادة الآية في الفاتحة لا السورة.

الايرادات المتعلقة بقاعدة الفراغ

هناك خلاف بالاصل على شمول قاعدة الفراغ للمحل العادي بعد شمولها للمحل الشرعي. واضافةً....
 لصحيحة زرارة التي وردت سابقاً ( يازرارة اذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء). 

وجاء ايضاً في...
 صحيحة ابن أبي يعفور (إنما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه)
وكذلك...
 ذيل صحيحة اسماعيل بن جابر عن ابي جعفر جاء (كل شيء شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه).

وعلى هذا تبين خبر زرارة أنه ليس قيداً للدخول في الغير بل لكون الدخول في الغير محققاً للخروج, ومحققاً للتجاوز في خبر اسماعيل ويعتبر في التجاوز الدخول في الغير إذا كان محققا. وأما إذا لم يكن محققا فلا.


المراد من (الغير)
المحورالأول : التـجاوز عن محل تدارك الأجزاء المنسية بحيث لو نسي لما كان له العود فيختص بالأركان(13).
ورد  بانه لا دليل على قياس صورة الشك بصورة النسيان وإتحادهما.

المحور الثاني:  الأجزاء الواجبة الأصلية دون مقدماتها(14).
وهذا خلاف الصحيحة المتقدمة إذ ظاهرها كفاية الدخول في المقدمات.

المحورالثالث: الجزء الذي يعد في الشرع المقدس مترتباً على وجود الشيء المشكوك في لسان الأدلة ولو كان من مقدمات الأفعال كالنهوض إلى القيام والهوي إلى السجود (15).
وهو الاقرب لجريان القاعدة في الأجزاء المستقلة لعمومها لأجزاء العمل ومجموعه وجريانها في الأجزاء غير المستقلة.
والظاهر من القاعدة هو التجاوز والخروج والدخول في الغير لأن العناوين الموجودة فيها هي الشيء والتجاوز والخروج والدخول في الغير .
وعلى هذا لو شك في فصل من الفصول ودخل في الفصل الذي بعده فقد تجاوز عن محل الفصل الأول ومثل ذلك يجري في آيات الفاتحة أو السورة فلا يجوز الرجوع حينئذ بناءاً على القول بالعزيمة لا الرخصة لأن مقتضى الرخصة ترخيص المكلف في الإتيان بالجزء الذي شك بالفراغ منه أو تركه.
ومقتضى كون القاعدة أمارة وليس أصل محرز, هو كون المضي وعدم الإعتناء مأخوذ على نحو العزيمة.
إذ أن المستفاد من النصوص هو إمضاء العمل وتحققه بل حصوله فيكون الإتيان به من الزيادة العمدية لا من باب التشريع فيبطل به العمل.
وبقي لدينا ان نحدد هل أن الفاتحة فعل واحد او ان القراءة فعل واحد بحسب ترتيب الشارع.
وهذه ايضا مسألة خلافيه, ولا بد للمكلف ان يراعي رأي من يقلده.
كذلك .. قاعدة التجاوز لا تجري على المشكوك بتحققه اي قبل التجاوز عن محلّ المشكوك والدخول في الغير والمراد بالغير الذي يعتبر الدخول فيه غير الشيء الذي شكّ في تحقّقه، سواء كان من أجزاء الصلاة أو من مقدّمات الجزء لظاهر الاطلاق في صحيحة زرارة ( إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره)
يعني غير الشيء الذي شكّ فيه.

النسبة  بين قاعدة الفراغ والتجاوز

ماهي نسبة اتحاد قاعدة الفراغ وقاعدة التجاوز في الفرض المطروح, فهل هو شك بفراغ المكلف من الفاتحة ام لا ؟
اذا كان كذلك فالفاتحة لم تتحقق ولا يمكننا حينئذ ان نجري قاعدة التجاوز, باعتبار اعتقاد المصلي حيث انه لا يدخل في الجزء اللاحق إلا بعد اعتقاد إتيان الجزء السابق فبدخوله فيه يتحقق الخروج عن الجزء السابق والتجاوز عنه
فهل هناك قدر متيقن لهذا الاعتقاد اي لخروجه من الفاتحة ودخوله في السورة؟ والظاهر ان المصلي لم يحرز الدخول بالغير بل يشك فيه وعليه لابد من الاعتناء.
وعليه أن السورة وأجزائها من المسلم أنها غير الفاتحة وايضا السورة واجزائها من المترتبة شرعا على الفاتحة وهذا لايحتاج إلى أثبات.

والذي لاشك فيه ولا ريب أنه دخل في جزء السورة فعلى هذا يكون الدخول في الغير الشرعي محرز ولا شك فيه, وهو من المسلمات.
وكما ذكرنا سابقاً , بما أنه ليس متيقن بأنه قد دخل في السورة إذن هو في الفاتحة وزيادة الآية في الفاتحة لا السورة .
نقول : الظاهر أن ما أعتمدنا هو الاستصحاب أي استصحاب عدم الدخول في السورة, وهذا لايثبت أنه في الفاتحة إلا بالاصل المثبت وهذا شيء والشيء الاخر, إذا كان موردنا من موارد التجاوز أو الفراغ فلا يجري الاستصحاب وذلك لورودهما على الاستصحاب .

أمُور ...

الاول :: ما ذكر من أنه بناءً على كون القاعدة أمارة تكون عزيمة وبناءاً على أنها اصل تكون رخصة.
والمفروض : هل توجد ملازمة بين الأمارية والعزيمة وبين الاصل والرخصة, وذلك لان الظاهر كون قاعدة التجاوز والفراغ رخصة لا عزيمة ؟

الثاني :: ما ذكر ما هي النسبة بين الفراغ والتجاوز في فرض أعلاه.

جوابه ـ التباين ـ وذلك لان مورد الشك في التجاوز يباين مورد الفراغ إذا الأول الشك في الوجود والثاني الشك في الصحة بعد إحراز الوجود.
وما نحن فيه ليس مجرى للفراغ وذلك لعدم أحراز تحقق الفراغ فيكون المورد هل هو من موارد التجاوز أو ليس منه.
وهو حسب الفرض بالمسألة لا يخلو شكه من نقطتين :

النقطة الاولى : أما انه لم يأت باصل الفاتحة وبأجزاء السورة التي دخل في اية منها, على هذا الاحتمال فلا مانع من التجاوز.

النقطة الثانية : وأما انه لم يكمل الفاتحة وتركها وترك أيضا أجزاء السورة التي دخل في آية منها, وأيضا كذلك لا مانع من جريان التجاوز في أجزاء الفاتحة والسورة.

وبالنسبة لملاحظة الأعتقاد, أنه لابد من أحراز الاتيان بالجزء السابق لكي يجري التجاوز فهو ليس بشرط لجريان القاعدة.
وجوابه, لو أعتقد بالاتيان بالجزء السابق لما كان شاكا وإذا لم يكن شاكا لم يكن مورد لجريان التجاوز, إلا إذا كنا نقصد بهذا شيء اخر.

والذي يهمنا في جريان قاعدة التجاوز هو الدخول في الغير وهو على حسب الفرض اعلاه متحقق. (16)

الفرق بين القاعدتين

قاعدة الفراغ تكون بعد الفراغ من العمل واكماله كلياً.
وقاعدة التجاوز تكون في الأمور الضمنية الجزئية للمركّب، كما لو كان في السجود وشكّ في أنه ركع أم لا؟ فإنه قد تجاوز محلّ الركوع ودخل في غيره.
والحمد لله رب العالمين .
   dr. Sajid Sharif Atiya  سجاد الشمري 
sajidshamre@hotmail.com


(1) القواعد الفقهية / السيد محمد باقر الجبيلي
(2) تذكرة الفقهاء / العلامة الحلي
(3) نهاية الاحكام/ العلامة الحلي
(4) مجمع الفائدة والبرهان/ المقدس الاردبيلي
(5) مختلف الشيعة / العلامة الحلي
(6) الاصول / السيد الخوئي قدس
(7) قاعدة الفراغ والتجاوز / السيد محمد باقر الجبيلي
(8) السيد البجنوردي (قدس سره)
(9) الشيخ الاعظم قدس سره
(10) المحقق العراقي قدس
(11) اوثق الوسائل
(12) صاحب الحدائق في تعليقته على الوسائل ص170 باب 13
(13) النهاية للشيخ الطوسي رضي الله عند في صفحة 92-9 .
(14) مصباح الأصول، ومستند العروة الوثقى ج 6
(15) حاشية المحقق الهمداني على الرسائل ص 1
(16) مصباح الاصول الجزء الثاني

هناك تعليق واحد:

  1. شكرا جزيلا على هذا الشرح المفصل

    ردحذف