بسم الله
الرحمن الرحيم
مخاطر
إغلاق باب الاجتهاد وعجزه عن الوثيقة الستالينية
ولعل من
أكبر الإصابات التي لحقت بالعقل المسلم ، وظهرت نتائجها بشكل واضح ،وفاضح في
الوقت نفسه ، وكانت وراء كل الإصابات والأزمات : إغلاق باب الاجتهاد …
فقد لا
يكون من المغالاة أن نقول ك إن إغلاق الاجتهاد ، وتوقيف العقل المسلم ، والحكم على
الأمة بالعقم ، والسكتة العقلية ، ومحاصرة خلود الشريعة . وامتدادها ، باجتهاد
بشري محدود القدرة والرؤية ، ومحكوم بعوامل الزمان والمكان ، كان وراءكل الإصابات
العقلية والفكرية والثقافية جميعا التي يعاني منها المسلم اليوم … فعملية تسكير
الأبصار ،وتوقيف الاعتبار ( المقايسة ، والمناظرة ،والشورى ، والحوار ، وتعدية
الرؤية ، والإفادة من الماضي لتصويب الحاضر ، واستشراف المستقبل ) ، وإلغاء
الامتداد بالتفكير والعطاء ، جعل الأمة عالة على غيرها ، حيث لم يتوق الاجتهاد
الفقهي فقط ، الذي توهمنا أننا أغلقنا بابه ، وإنما توقف العقل والمجاهدات الفكرية
على مختلف الأصعدة ، وساد الأمة وباء التقليد الجماعي ، والمحاكاة ،والاستنقاع
الحضاري ، حيث لا يمكن أن نتصور تقدما في جانب من الفكر ، بعد أن أصيب عقل صاحبه
بالشلل .
لذلك
يمكن القول : بأن الأمر بإيقاف الشريعة عن الامتداد ، بحجة ضعف المؤهلات التي تمكن
من الاجتهاد ، وحجه أن الأولين لم يتركوا للآخرين شيئا ، إضافة إلي أنه حجر على
فضل الله ، وتنكر لخلود الشريعة ، ومساهمة سلبية في إخلاء الساحة من الاجتهاد
والرؤية الإسلامية ، فإنه فسح المجالات للغزو الفكري والقانوني ، والامتداد
للثقافات والأفكار الأخرى في هذا الفراغ الرهيب الذي أحدثه إلغاءالعقل المسلم ،
إضافة إلي أننا نعتقد : أن الأمر ليس أقل سوءا –
من حيث النتيجة – من الدعوة إلي إيقاف الشريعة ، وتوقيتها
بعصر ماض ، بحجة عدم الصلاحية لهذا الزمان ، الذي نتهم القائلين بذلك بشتى التهم
التي يستحقونها شرعا ، لكنا لا ندين أنفسنا … ولا ندري إلي أي مدى يكون قرار إغلاق
باب الاجتهاد ذاتيا ،وداخليا ، وبعيدا عن تأثير سدنة الاستبداد السياسي والعمالة
الفكرية ؟ وإلي أي مدى يحق لنا أن نوقف نصا متواترا ، خالدا ، ممتدا ، باجتهاد ظني
مرجوح ؟
فاعتقادنا
أن الله الذي أنزل رسالة الإسلام الخالدة ، الخاتمة ، المجردة عن حدود الزمان
والمكان ،هو أعلم بتقلب الظروف والأحوال، وأن الخلود والخاتمية اللتين تعنيان
الامتداد ، والعطاء،وعدم التوقف ، والإيقاف ، لا تتحققان إلا بالاجتهاد ؛ لذلك
نرى أن إيقاف الاجتهاد هو في الحقيقة محل نظر من الناحية الشرعية والعقيدية ،
إضافة إلي ما فيه من قضاءعلى العقل ، دليل الوحي ، وحرمان للمسلم من أجري
الاجتهاد الصواب ، وأجر الاجتهاد الخطأ.
ولعل
الأمر الأخطر في هذا الموضوع هو : المناخ الفكري المضطرب ، الذي أشاعه إغلاق باب
الاجتهاد ، من التقليد ،والتعطيل ، الإرهاب ،لكل من يحاول التفكير ، باسم
الاتباع ، وعدم الابتداع ، لأنه يحاول العبث بأحكام الشريعة … ولم تقتصر للمفكر
بالابتداع ،وعدم الاتباع ،وإنما تجاوزتها لإطلاق تهم التكفير ، والتجريم ،
والتأثيم ، لكل من يحاول التدبر ، والتفكر ، والنظر ، والمقايسة ،إلا من بعض
اجتهادات ،ضمن إطار المذهب نفسه ،هي أقرب لفقه التجريد والافتراض ، وأحيانا فقه
الحيل الشرعية ، وفقه المخارج ،الذي تحكمه الآليةالميكانيكية ، منها إلي فقه
الواقع ، ووضع الأوعية الشرعية لمساره … فأصبح الفقه عبارة عن تجريدات ذهنية ،
وآلية ميكانيكية ، كادت تفوت مقاصد الشريعة ، لو لا بعض الأصوات من هنا وهناك ،
التي تشير إلي امتلاك الأمة للإمكان الحضاري ، والقدرة على النهوض ، لأنها تمتلك
القيم المحفوظة بالكتاب والسنة … تلك الأصوات التي حاولت التصويب الفقهي ، والخروج
عن التجريدات والمباني ، إلي إدراك الحكم ، والمقاصد ، والمعاني . من أمثال : ابن
تيمية [1][3] ، وابن القيم [2][4] والشاطبي [3][5] والشوكاني [4][6] وابن عاشور [5][7] وغيرهم .
ويمكن أن
نقول بدون أدنى تحفظ : إن إغلاق باب الاجتهاد ، الذي هو محل نظر من الناحية
الشرعية،والفكرية ،والعملية ،والواقعية، كان وراء كل البلايا ،والإصابات ،
والأزمات المتالحقة، التي ألغت العقل المسلم … ولا سبيل إلي استعادة العافية
للعقل المسلم ، وليس الباب فقط ، ليتحاور الناس ويتفاكروا ،ويتناظروا ،ويتشاوروا
، وسوف لا يستقر ، ولا يصح ، ولا يكتب الامتداد ، والأثر الحسن ، إلا الاجتهاد
الصحيح … ذلك أن قيم الكتاب والسنة ، هي الحارس … وعصمة عموم الأمة ، هي صمام
الأمان من الانحراف ،ولا تتحقق تلك العصمة ، ولا يمكن الوصول إليها بدون الحرية ،والشورى
،والاجتهاد … لذلك ، لا بد من تحطيم حاجز الخوف من التفكير ، وإقناع الناس علميا
، أن الله لم يثب على الخطأ ، إلا في مجال إعمال العقل .
والأمر
في حقيقته ، أبسط بكثير ، مما أثارته وتثيره أصوات الرعب ، والتخويف ، التي حذرت
منه …فالاجتهاد لا يخرج عن أن يكون رأيا بشريا ، يسري عليه الخطأوالصواب ، ويؤخذ
منه ويرد ،وليس نصا دينيا ، يلغي حكما ، أو يعبث بالدين … وقد تكون المشكلة كلها
، في اختلاط الموقف ،بين قدسية النص الديني ،وبين بشرية الاجتهاد .
والخطأطريق
الصواب ، أو هو الطريق الآخر الدال على طريق الوصول إلي الحقيقة ، وذلك عندما
نتعلم كيف نفكر ، وكيف نختلف أيضا ، وكيف نتحاور ، ونتشاور ، للوصول إلي الصواب.
والناظر
في الواقع الإسلامي اليوم ، يجد كثيرا من الفتاوى ، والآراء الفقهية ، لم تكتب لها
الحياة ، بينما نجد أخرى ،استطاعت أن تثبت وجودها ، وصوابها ، وتحقق مقاصد الشرع
، في معركة الحياة … فإذا كان الاجتهاد محرما ،وبابه مغلقا ، خوفا من الخطأ
والانحراف ،وعندنا القيم القرآنية ، والحديثية ، والضابطة للمسيرة ، وعندنا عصمةعموم
الأمة ، وعدم تواطئها على الخطأ، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه إلا في أجواء الحرية
، والحوار ،والشورى – كما أسلفنا –
فكيف سيكون حال الأمم الأخرى ، التي استطاعت أن تصل إلي الكثير من الإنجاز الحضاري
،والنهوض ، من خلال ما تأصل في مجتمعها ،من قيم الحرية ، والعدل ،والديمقراطية
،وتجارب الخطأوالصواب ، دون أن تتمتع بما تتمتع به الأمة المسلمة ، من العواصم (عصمة
الكتاب والسنة ، وعموم الأمة التي لا تجتمع على خطأ أو ضلال ) ؟ … فالخوف من
الاجتهاد، باسم الخوف على الشريعة ،حالةمرضية غير سوية ، يخشى معها الوصول إلي
تعطيل الشريعة ؟
إن
معالجة أزمة العقل المسلم ، ونهوض المجتمع الإسلامي ، وتحقيق الشهود الحضاري ،مرهون
إلي حد بعيد ، بإتاحة حرية الفقه والفكر ،وبدون ذلك ، فسوف نبقي نعالج العرض وندع
السبب .
الوثيقة
الستالينية :
وليس ما
يوصف « بالوثيقة الستالينية» وهي البيان الذي وجهه جوزيف ستالين وفلاديمير لينين
، إلي مسلمي روسيا ، بعد أقل من شهرين من استيلائهم على السلطة عام 1917 م ، تحثهم على مواجهة
القياصرة ، والثورة عليهم ، والثورة عليهم ، لأنهم أهدروا حقوق المسلمين ، والوعود
التي قطعوها على أنفسهم ، ثم تنكروا لها ، فكان المسلمون أول الضحايا ، إلا
أنموذجا آخر … وقد يكون من المفيد هنا أن نذكر ببعض نصوص الوثيقة ، لأنه تلقي
أضواء كاشفة على أزمتنا المعاصرة :
« يا
مسلمي روسيا … يا مسلمي الشرق … أيها الرفاق … أيها الإخوة …
« إن
أحداثا عظيمةتحدث الآن في روسيا … إن العقد الدموي ( الحرب العالمية الأولى )
الذي بدأ بسبب أطماع الاستعماريين والإمبرياليين في أرضكم ، قد قارب النهاية …إن
عالما جديدا يولد الآن … إن عهد الرأسمالين والإمبرياليين ، يتداعى … وأن الأرض
تميد من تحت أرجلهم ، وتشتعل الثورةمن تحت أقدامهم …
« وفي
خضم هذه الأحداث العظام ، نلتفت إليكم يا مسلمي روسيا والشرق ، الذين استرقكم
الاستعمار ، واستلب أموالكم ،وأراضيكم …
« يا
مسلمي روسيا ، وياتتار الفولجا والقرم ، ويا أيها القرغيز ، وسكان سيبريا ،
والتركستان … يا سكان القوقاز الأبطال ، وقبائل الشاشان ، وسكان الجبال الأشداء…
أنتم يا من هدمت مساجدكم ، وحطمت معابدكم ، ومزق القياصرة الطغاةقرآنكم ، وحاربوا
دينكم ، وأبادوا ثقافتكم ،وعاداتكم ،ولغاتكم …
« ثورا
من أجل دينكم وقرآنكم ، وحريتكم في العبادة ! ! إننا هنا نعلن احترامنا لدينكم ،
ومساجدكم … وإن عاداتكم ، وتقاليدكم ، حرة ، لا يمكن المساس بها … ابنوا حياتكم
الحرة الكريمة المستقلة دون أن معوقات ، ولكم كل الحق في ذلك … واعلموا أن جميع
حقوقكم الدينية والمدنية ، مصونة بقوة الثورة ، ورجالها ، والعمال ، والفلاحين ،
والجنود ،وممثليهم …
« لهذا
نطلب منكم تأييد الثورة، ومساندتها ، لأنها تقوم من أجلكم ،ومن أجل حريتكم
الدينية والمدنية…
« … ليس
من روسيا ، أيها المسلمون ، يأتي استعبادكم ، بل من الدول الأوروبيةالاستعمارية …
من هؤلاء اللصوص ، مصاصي الدماء ، الذين استعمروا أرضكم ، واستلبوا ثرواتكم ،وزجوا
بأبنائكم في أتون حرب لا يأتيكم منها إلا الدمار … ثوروا ضد هؤلاء الطغاة الكفرة …
تقدموا أيها المسلمون لتحرير أوطانكم ، وارفعوا أعلام ثورتكم ، فإن أعلامنا وبنودنا
، قد رفعت من أجل حرية المستعبدين والمظلومين .
« يا
مسلمي روسيا ، ويا مسلمي الشرق : هلموا إلينا … إلي طريق الحرية والعدالة لنبني
هذا العام من جديد على أسس الحق ، والخير ، والعدل…[6][2] » !!
وهذا
ينطبق ، بشكل أو بآخر ، على ثورات ، وحركات ، وحروب المنطقة الإسلامية ، في
مقدماته ونتائجه ،في آسيا وأفريقيا … ولا حاجة بنا إلي التفصيل ، لأنه معروف في
كل بلاد العالم الإسلامي …
dr. Sajid
Sharif Atiya سجاد الشمري
sajidshamre@hotmail.com
شمس الدين أبو عبد الله محمد بن بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي
الفقيه الحنبلي ، لازم الشيخ تقي الدين ابن تيمية وأخذ عنه ،كان ذا عبادة وتهجد ،وكان
عارفا بالتفسير وأصول الدين ودقائق الاستنباط ، أو ذي وحبس مع شيخ الإسلام ابن
تيمية ، ولم يفرج عنه إلا بعد موت الشيخ ، من تصانيفه : تهذيب سنن أبي داود وسفر
الهجرتين ، والكلم الطيب ، وزاد المعاد أربعة مجلدات ، وكتاب نقد المنقول ،وكتاب
اعلام الموقعين عن رب العالمين ثلاث مجلدات وغيرها .
محمد بن علي بن محمد بن عبد الله ، فقيه مجتهد ،من كبار علماء اليمن
، كان يرى تحريم التقليد له 114 مؤلفا ، منها نيل الأوطار ثماني مجلدات في الحديث
، وفتح القدير في التفسير ، وإرشاد الفحول في أصول الفقه ، والتحف في مذهب السلف .
محمد الطاهر بن عاشور رئيس المفتين المالكيين بتونس وشيخ جامع
الزيتونة ، من أعضاءالمجمعين العربيين في دمشق والقاهرة ، من أشهر مصنفاته :
مقاصد الشريعة الإسلامية ،أصول النظام الاجتماعي في الإسلام ،
التحرير والتنوير ، في تفسير القرآن .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق