بسم الله الرحمن الرحيم
الاشرف والافضل الحادث بالقديم علم
الله تعالى لا يصدر من الواحد الا شيء واحد
اطروحات فلسفية
الاشرف
والافضل
إن الممكن الأخس ــ
أي العالم المادي الذي يجيء في مرحلةٍ تالية من العالم العقلي ــ إذا وجد في
الخارج المقتضي وجوباً بـ ((الممكن الأفضل والأشرف)) أن يغدو في درجات العالم
المادي وما فيه من إنسان وحيوان ونبات وجماد .
ان الفيلسوف إفلاطون
(ت 347 ق . م) له محاولة الأستدلال بالأطروحة الأشرفية في ((المسائل العقلية)) وعلى هذا ذهب قائلاً :
(إن الموجودات التي
نراها في عالمنا المادي لا تتصف بصفة الكمال المطلق ، فلا بد أن يكون لها مثال
كامل في عالم آخر يختلف عن هذا الذي يسمى بعالم الكون والفساد أنه عالم العقول
المفارقة للمادة) [1] .
وجاء بعده تلميذه
المعلم الأول أرسطو على هذا النهج .. قال الأشراقي (ت587هـ) في مطارحته أنه :
استفاد من تلك الاطروحة من إشارة إجمالية لأرسطو .. فانه قال في كتاب السماء
والعالم : يجب أن يعتقد في المعلومات ما هو الأكرم والاشرف [2] .
والحقيقة تقال : ان
مجرد الانشغال بوجود الأفضل والأشرف من ناحية المبدأ خير شاهد على وجوده لما
استهدفه الأدراك العقلي .
وعلى هذا الاساس ..
يجب بالضرورة على رائد الفكر الفلسفي أن يكتشف الحقيقته ، بداهة أنه موجود ،
والمفاهيم العامة ، التي يكون محلها العقل المجرد.
الأشرفية لها قاعدة
فكرية لها أبعادها الموضوعية في عدة موضوعات من المباني الفلسفية الأخرى .
أبو علي الحسين بن عبد الله الشهير بأبن سينا ، رتب
على هذه المسألة : ((نظام الوجود في سلسلتي الخلق والبعث)) .
والشيخ الأشراقي في
موضوعه عن العقول العرضية أي : المثل النورية ، بهذا النص من كلامه :
((المجرد المحض أشرف
من المجرد المتعلق ، والروح المرسل أشرف من الروح المضاف)) و((إذا كان المجرد المتعلق
ــ أي الروح المضاف ــ موجوداً ، فليكن المجرد المحض ، أو الروح المرسل موجوداً
قبله)) .
وبعده بزمن ليس
بالقصير .. تطرق السيد صدر الدين الشيرازي .. بشرح فلسفي بقوله :((قاعدة شريفة
برهانية عظيمة الجدوى كريمة موادها متوفرة فوائدها جليلة منافعها)) .
وفي ضوء هذه الكلمة
الكريمة العريقة في التاريخ الفلسفي والمستحقة للتقدير والاكبار والاعجاب والخلود
.. نهض بالادلة الفلسفية الاستدلالية على صحة الأطروحة الأشرفية .. وخلاصة ما راح
اليه هو ، وما راح اليه الفيضيون في حدوث العالم ، وفق حلقة التسلسل العقلي الذي بدأ
بـ ((العقل الأول)) الذي له مساران وجوبي ، وإمكاني يغدو عاملاً في خلق عقل ثان ،
ولذا أطلقوا عن هذا الواجب بـ ((الغير)) والممكن بـ ((الذات)) .
إذ كتب قائلاً :
((إن الممكن الأحسن
إذا وجد عن الباري تعالى ، لابد أن يسبقه وجود الممكن الأشرف ، وذلك لأن الباري جلت
عظمته الذي هو في غاية الكمال ، ولا يتطرق إليه شائبة النقصان ، لا بد أن يكون أول
ما يصدر عنه أشرف الموجودات التي هي المثال العقلي التام المبرءة من كل نقص وشين))
.
وإذا نظرنا بتأمل
إلى التسلسل التاريخي لوجدنا ان الاطروحة الاشرافية مبحث مفكري الفلسفة بشكل عام ،
وبخاصة المتأثرين بفكر صدر الدين الشيرازي .
وهكذا .. حتى جاء
السيد السبزواري (ت هـ) اذ يقول :
((هذه قاعدة شريفة
عظيمة الجدوى ومن فوائدها إثبات أرباب الأنواع ، وقد إستنبطها الشيخ الأشراقي من
كلام للمعلم الاول ، وقد أشرنا إلى دليلها المذكور في الكتب بقولنا :
الممكن
الأخس إذا تحققا فالممكن الاشرف فيه سبقا
لأنه
لولاه إن لم يفض فجهة تفضل حقاً يقتضي
وان أخس
فاض قبل الاشرف علل الاقوى عندذا بالاضعف
وان مع
الاشرف في الصدور فواحد جاء مصدر الكثير
والنور
الاسفهبد إذ يبرهن عليه فالقاهر أيضاً كائن [3] .
وأحب أن ننبه ــ هنا
ــ القاريء اللبيب أن هذه الاطروحة الاشرفية من حيث المبدأ لا تفسر العجز الموجود
في الظواهر الطبيعية بأنها عجز في العلة ، ولا في وجود الله بوصفه المطلق ، بل
العجز كل العجز يرجع إلى الذات المعلول ، وعدم طاقته الفاعلة لتلقي الفيض من
المولى الكريم .
وعلى اساس الاشرفية
يذهب فريق من المفكرين إلى أن الظاهرة الطبيعية بكل ما فيها من قوى وعناصر النموذج
الأصيل للخير والعطاء (100%) .
والشر هو الفساد لم
يكن له وجود يذكر على صخرة الواقع ، وذلك لأن الأول يتسم بكل سمات الخير والعطاء
محال أن يخلق ظاهرة طبيعية لا فائدة فيها ولا منفعة خيرة ، لأنه لا يخلق الادنى مع
إمكان خلق الأعلى .. حتى جهنم وعذابها العسير خير وعطاء بالنسبة إلى تحقيق الغرض
المقصود منها .. والخير والطبيعة كلمتان جدليتان مترابطتان ، وكذا الشر والفساد
كلمتان جدليتان مترابطتان كذلك .
ثم ماتقول بمن قال (
ان كل ما في هذه الظواهر الطبيعية من أشياء شريرة على ما نعتقد فيما هي الا عناصر
خير بالذات .. واننا لا نكتشفها وأعتقدنا أنها شراً ، أو فيها مصلحة تؤدي إلى
حصيلة خيرة وبالملازمة تغدو خيرة بالعرض) .
قال صدر الدين
الشيرازي :
((الشر موجود في
الطبيعة وكثير ، ولكن خير الطبيعة أكثر من شرها ، ونفعها أكثر من ضرها .. أن الذي
إحترق ثوبه بالنار قد تضرر بسببها ، ولكن إذا قسنا هذا الضرر البسيط ، إلى منافعه
بالنار طوال حياته لم نجده شيئاً مذكوراً .. وهذان في الشخص الواحد .. فكيف النوع
؟.. ان الاشخاص الاصحاء من افراد الإنسان والحيوان اكثر بكثير من ذوي الافات
والعاهات)).
إذن .. فالظاهرة
الطبيعية بما فيها من أشياء وقضايا خير وعطاء ، وسعادة (100%) .
إن الأطروحة
الاشرفية إجتاحت أسس ناموس العلة والمعلول ، وقفزت إلى نقلة نوعية في المنطلقات
العقائدية حتى استدل البعض بهذه الاطروحة على اعجاز القرآن كتاب الله المحفوظ
الاخير من أمور قائمة فيه يعجز الناس عن مجادلتها كأحكام نظمه ، ودقة معانيه ،
وروعة اسلوبه .. إلى غير ذلك من الامور التي تعتبر وجوهاً لأعجازه ، وذلك لأن هذه
الأطروحة تهدف بان يغدو قول الله تعالى أفصح القول وأبلغه ، بما أنه معجزة الدهر
التي لا يقف لها أحد ، ولا يأتي بمثلها إنسان .. وإلا غدا ترجيح المرجوع على
الراجح ، وهذا محال البته .
نعم .. هذا ما تدلي
به الاطروحة الاشراقية بان في قدرة الله سبحانه إنزال قوله في منتهى صور الفصاحة ،
وألوان البلاغة والبيان .. إذن شريطة أن يكون الكلام أفضل وأشرف الكلام في كتاب
الإسلام الخالد .
ومع هذا كله .. فقد
طرح بعض الباحثين في الاعجاز القرآني أطروحة تناقض تلك الاطروحة القائلة :
ان العرب انما عجزوا
عن الاتيان بمثل القرآن بعشر سور مثله مفتريات ،او بسورة واحدة من مثله ، لأن الله
تعالى قد ((صرفهم)) عن ذلك ، وامسكهم أن ينهضوا له .. ولو نهضوا له وقالوا لكان في
استطاعتهم أن يقولوا مثل قوله ؛ لأنه من جنس الكلام الذي جرى على افواههم .
ولعله هو أبو اسحاق
ابراهيم بن سيار النظام (ت هـ) في مذهب المعتزلة .
يقول : ابو الفتح
الشهرستاني :
((وزعم النظام ان
اعجاز القرآن بـ ((الصرفة)) أي ان الله صرف العرب عن معارضته ، وسلب عقولهم ، وكان
مقدوراً لهم ، لكن اعقاهم أمر خارجي)) [4] .
إن كتاب الإسلام
المحفوظ الاخير .. هو كلام الله جلت قدرته ، ومستحيل أن يقاس به أي كلام .. فهو
لهذه معجزة خالدة في ذاته ، قد أخرس في معجزته فرسان البلاغة ، وقادة الخطابة ،
وسادات القوافي ، وملوك البيان .
ولو كان في واقع
الامر قد أعجز أئمة الفصاحة والبلاغة والبيان ... بإرادة تكوينية ، وقوة قاهرة غير
منظورة عنه لما كان كلام الله أبداً .
ولو كان كتاب الله
الاخير على تلك الخصوصية .. لكان لأبناء يعرب فيه رأي غير الذي قالوا فيه ، ولما
خرسوا أمام فصاحته ، وبهروا من روعة نظمه ، وجلال طلعته ، ووقع كلماته على مجامع
القلوب التي جاءتهم منه حين سمعوه .
ولو كان كتاب الله
الاخير .. مرتكزاً على هذا الامر المعجز ــ أي على أن العرب صرفوا عن معارضة
القرآن صرفاً لما كان لنزوله الذي لا يلتقي مع شعر الشعراء في وزن ولا قافية ، ولا
مع سجع الكهان وثقله وتكلفه ، ولكان يمكن أن يستغني عنه بأدنى شيء يقطع ما بين
الرسول القائد (ص) وبين أمته من حوار وأهوال !
وهذا القول في
((الصرف)) في منتهى الوهن والسقوط لأن الكثير من العرب البلغاء تصدوا لأجهاضه
ومعارضته ، فلم يتمكنوا من ذلك ، بل وأرتعاد فرائص الصناديد والجبابرة عند سماعه ،
بل وبقائه إلى اليوم معجزة خالدة ما بعدها معجزة تتلألأ في نورها الرباني ، وتتألق
في جمالها القدسي .
جدلية الحادث بالقديم
قالوا : هل يمكن شد
الحادث المسبوق بـ ((العدم المشمول بالزمان)) الذي له بداية، كما سيكون له نهاية ،
فهو لم يكن ، ثم كان ثم لا يكون بـ ((المبدأ القديم)) الذي ينزه عن الحدوث لا
بداية له ، ولا نهاية . أنه أبدي أزلي .
إذن .. فالعوالم
مهما كانت ، أو تكون .. مادية أم مجردة .. كلها ممكنة ، أي : مستحدثة سبقها العدم
الازلي ، وأرتبطت في حلقاتها المتسلسلة بالمعلول الواحد القديم ، وليس هذا الا من
قبيل فصل المعلول عن العلة .. وأن المعلول لا ينفصل عن العلة ؛ بل عند وجودها ،
وبعدمها ينعدم مباشرة .
إضافة إلى ذلك .. لا
يمكن التصريح بصحة التسلسل ، لأن التسلسل الا متناهي الذي يصل بالنهاية إلى شاطيء
العلة الاولى شريطة أن يسبقه العدم ، وإلا لزم إنفصال المعلول عن علته .
وهنا .. ينكشف
التباين والتضاد .. فيجب وضع حل فلسفي في جدلية
[5] الحادث بالقديم ؟!..
ونقول : يمكن من
منظور الحركة الجوهرية :
أجل .. ان الذات
والحقيقة في الاشياء والظواهر الطبيعية قد لا توجد على سبيل النهج التكاملي التام
في لحظة ، بل توجد بصورة تدريجية ، وتستنفذ طاقاتها رويداً رويداً .. ومن ثم يحصل
التغيير ، وحسب مراحل التكامل الذاتي .. وهي في كسب جديد مستمر هو معنى حركتها
ونموها في نفسها ، ولهذا ــ كذلك ــ تقفز قفزة من شيء إلى آخر ، وتصل في حلقات
تكاملها من القوة إلى الفعل ، ومن الارض السفلى إلى العرش الاعلى ، وتصعد إلى
حضيرة البناء الفوقي إن كان لها النجاح ، أو تنزل إلى منحدر البناء التحتي ان كان
لها السقوط .
وأن عملية الاستكمال
الذاتي لا يمكن أن يدرك الا على ضوء هذا المبدأ .
وكذلك تتابع ظواهر
متعددة يوجد كل ظاهرة منها بعد الظاهرة قبلها ، وتعطي المجال العريض بزوالها
الظاهرة ليست بقديمة ، فلم يكن هذا إزدهاراً وعقلانية ، ومن ثم لم يكن حركة ،
وانما شكل من أشكال التطور والتجدد بصورة مطلقة .
إذن .. فمعنى الحركة
في المفهوم الفلسفي :
((خروج الشيء من
القوة إلى الفعل تدريجياً أو يسيراً)) ويتقرر هذا المعنى أن الحركة لم تكن في
الحقيقة عبارة عن زوال الشيء زوالاً على وجه التعميم .. ووجود شيء آخر جديد ،
وانما هي في واقع الحقيقة تغيير وتجدد الشيء في مراحل الوجود .
وعلى هذا يحتم أن
تستوعب كل حركة على وجود واحد دائم عند أول إنطلاقة إلى أن تركد .. وهذا الوجود هو
الذي يتحرك بصورة داخلية ذاتية ، أي : على نحو التدرج والارتقاء في زمان قليل أو
كثير وبشكل دائم .
وكل مرحلة تعبر عن
مرتبة من مراتب ذلك الوجود الواحد ، وهذه المراتب انما تخلق بالحركة ، فالموضوع
المتحرك لا يملكها قبل الحركة ، والا لما وجدت حركة من الاساس .
بل هو في أول التحرك
يتمثل لنا في قوى وطاقات ، وبالحركة تستنفذ تلك القوى والطاقات ، ويستبدل في كل
مرتبة من مراتب حركة الامكان ((الواقع والقوة بالفعلية)) كما هو الحال في المادة
المتغيرة التي تتغير بصورة حركية تدريجية قد لا نحس بها في ظاهر الامر والعيان ؛
بيد أنها حقيقة واقعية مستمرة تحدث للاشياء ، فإن الإنسان كذلك يتدرج في هذا
التغيير حتى يبلغ نهايته ، ويتلبس بالصورة الإنسانية ــ لا يعني وصل إلى الكمال
الطموح ، بل يستطيع السير نحو أعتاب العالم الفوقي .. حتى يصل إلى الكمال المطلق ،
فيغدو مخلوقاً عقلانياً ، وخليفة الله في الارض ، وواسطة فيض إلهي ــ بدءاً من
البويضة إلى النطفة ، ومروراً بالجنين إلى الطفل ، ووصولاً إلى المراهقة ثم إلى
الرجل السوي .
إن هذا الكائن
المتغير الحي في مرحلة مؤطرة من حركته هو نطفة بـ ((الفعل)) بيد أنه في ذات اللحظة
أمر آخر ، بل للنطفة ، واحسن منها من ناحية الارتقاء فهو جنين بـ ((القوة)) .
والمقصود من هذا كله
: أن عنصر الحركة في هذا الكائن قد إرتبطت جدلياً فيها ((الفعل والقوة سواء
بسواء)) فيما لو لم يكن في الكائن الحي قوة مرحلة جديدة وطاقاتها لما وجدت في
الحقيقة حركة ، ولو لم يكن أمراً من الامور بـ ((الفعل)) لكان لا وجود له من
الاساس ، ولا توجد حركة كذلك .
فالتجدد والتغيير
يتكون بإستمرار من أمر بـ ((الفعل)) وأمر بـ ((القوة)) .
وهكذا دواليك تبقى
وتدوم الحركة مادام الامر يحتوي على ((الفعلية والقوة سواء بسواء)) وعلى ((الوجود
والامكان سواء بسواء)) فإذا استنفذ الامكان ، ولم تبق في الامر طاقة فاعلة في مرحلة
جديدة ماتت عناصر الحركة .
وهذا هو معنى : ((ان
كل حادث زماني مسبوق بعدم زماني يحتوي على قوة الشيء ويحمل قابليته)) .
وهذا هو ــ كذلك ــ
معنى : ((خروج الشيء من القوة إلى الفعل، أو اتحادهما في الحركة)) [6] .
وهذا هو واقع الحركة
في المفهوم الميتافيزيقي [7] .. التي تتوهم فيها المادية الديالكتيكية [8] ..
بالتناقض الموجود المستمر في المحتوى الداخلي للأشياء .
-
ومن خلال شرحنا عن
نظرية الحركة العامة للتغيير بمفهومها العميق الدقيق , إكتشفنا واقعاً حقيقة معنى
الحركة الجوهرية .
إذن .. لابد من
القول ـ كذلك ـ بان المدارس الفلسفية حاولت في وضع الحلول لهذه المشكلة من خلال
هيمنة الدورة الفلكية في الاشياء والظواهر الطبيعية , وهم يجعلون حركة الافلاك
واسطة الصلة الجدلية بين الحادث والقديم على هذا النحو :
لكل حركة على نحو
الشمول عنصران :
عنصر الثبات : ولم
يكن فيه أي تجدد وتطور .. ويطلقون عليه بـ ((الحركة التوسيطية)) ، وانها تجدد
الطبيعة الفلكية ، وبما أنها الجسم بين المبدأ أو المنتهى .. وهذا شيء ثابت يرسم
الحركة القطعية ، وبهذا الشكل يمكن اعتبار الحركة حالة بسيطة ثابتة لا إنقسام فيها
.
وعلى سبيل الفرض :
أن جسماً متحركاً ومتجدداً كان موجوداً منذ القدم وحتى الابد .. فالحركة بهذا
الشكل أي : من القدم إلى الابد حالة واحدة ثابتة .. هذا ويمكن أن يكون معلولاً
لعلة قديمة ، ولا يلزم منه الانفصال .
وعنصر التغيير :
ويطلقون عليه بـ ((الحركة القطعية)) وهي عبارة عن قطعة ممتدة منها التي ترسمها
الحركة التوسيطية ، وبهذا المعنى يغدو موضوعاً متغيراً في كل اللحظات .. فهي ذهنية
لا وجود لها في عالم الوجود ، لعدم جواز إجتماع الاجزاء ، أي : ما لم ينمحي جزء
منه لا يوجد جزء آخر ، وإلا كان قراراً وسكوناً ، لا متغيراً ومتطوراً .
ويتم البناء على هذا
.. أن نقطة الثبات للحركة الفلكية بما أنها قوة دائمة بلا إنقطاع ــ منسوبة إلى
العلة الأولى صادرة منها ، ومن نقطة تبديلها تغدو واسطة لوجود الحوادث (العولم)
وصلتها بالعلة الاولى القديمة .
كما أن السيد صدر
الدين الشيرازي (ت 1050هـ) لم ير ذلك حلاً جذرياً، بل يرى المشكلة لا زالت قائمة ،
لأن حقيقة المشكلة هي نسبة المتغير إلى القادة ،
وإنطلاق عنصر الحركة من الاشياء والظواهر الطبيعية الفلكية ، وبرؤية إنسجام
وملائمة ناموس العلة للمعلول ، والإيمان بقرار الاشياء الطبيعية واستقرارها محال
إنطلاق الحركة من الجوهر الفلكي القادة المستقر .
ومن ثم .. يتجه في
وضع الحل الفلسفي الهادف , أنه على ضوء نظرية الحركة الجوهرية العامة [9] في الافلاك
..وعلى هذا الاساس فالحركة الجوهرية في خطوطها العريضة لها طريقتان متباينتان :
1 ــ
قارة 2 ــ ومتطورة
الطريقة القارة : هي
الطابع الفعلي للجوهر الفلكي ، وهي مثل العناصر : ((الجوهرية ، والعرضية ،
والسطحية)) موجودة في عالم العلم الالهي .. ومطبوع بـ ((ذات العقول الكلية)) .
والطريقة المتطورة :
هي التي تتغير ذاتها وطابعها الجوهري الفلكي في جميع اللحظات ، ومن ثم .. فالحركة
بأعتبارها قارها وإستقرارها منسوب إلى العلة القديمة الاولى .. بأعتبارها تطورها
وتغيرها عامل صلة جدلية بين الحادث والقديم.
ولا فرق بهذا الطرح
عما راح اليه البعض ؛ بيد أنهم يستدلون في ذلك على الحركة الوضعية للأفلاك ..
والشيرازي يستدل على ضوء الحركة الجوهرية العامة لها .
علم الله تعالى بالأشياء
ان علم الله ــ جل
جلاله ــ بـ ((الاشياء)) هو بـ ((الاضافة الاشراقية)) .. أي أن كل الممكنات
المستندة إليه حدوثاً وبقاءاً مفاضة من ذلك الفيض الألهي المقدس ، وأمره الواحد
التكويني . بمعنى أنه ــ سبحانه ــ عالم بكل المخلوقات , سواء أكانت على صعيد
الذوات ، او على صعيد المعاني ، او على أي صعيد آخر .
إذن نفهم من ذلك هو
عالم بكل الموجودات ، وبكل المستجدات بأسبابها ومسبباتها , التي يعرفها العلماء
المفكرون ، بالنتيجة فإن التصورات المطبوعة في ذهنية العلماء مخلوقة لواجب الوجود
، فهو عالم بها بطريق أولى . هل هذا صحيح ؟
لأن العلم له ممكن ،
وما أمكن في حقه واجب له .
ولأن الجهل نقص ،
والنقص عليه من المستحيلات .
ولأن هو حقيقة بسيطة
مجردة محصنة ، وكل مجرد عاقل لذاته وعلمه بذاته .
ولأن هو معطي الكمال
لا يكون فاقده , أو أنه مجرد وكل مجرد عاقل بذاته ، وذاته عين العلة لكل شيء من
الاشياء .
ومن هذا .. ثبت أن
العلم بالعلة ــ بكل فصائلها وروافدها وإعتباراتها وحيثياتها اللازمة لها ــ عين
العلة بالمعلول ، أي : أن علة الموضوع إذا غدت غير مستورة من لدن الذات .. شريطة
أن تغدو غير مستورة ؛ لأن المعلول فصيل من فصائل العلة ، وشكل من أشكاله ، فالعلة
بذاته ؛ إنما هو علمه بمخلوقاته ومعلوماته بلا إستثناء – ما رايك - .
كما إن الموجودات
القائمة على أساس التأطير التي هي الممكنات كلها منطوية تحت مظلة تلك الذات
الواحدة المجردة ، لأن بسيط الحقيقة كل الاشياء وليس بشيء منها .. وحيث أن ذاته
غير مستورة من لدنه .
إذن .. فكل الاشياء
، والاحوال ، والموازين ، والتقادير . بواقعيتها وذواتها وهوياتها . غير خفية عنده
تعالى ، ومحيط بها – صحيح – اذن إحاطة حقيقية جزئية وكلية ، ومجردة ومادية ،
وبسيطة ومركبة . ولم يكن علمه بالصورة حتى يفترق إلى مسارين : إجمالي وتفصيلي .
فإذا كانت الممكنات ، بكل شرائحها ، وبكل ذواتها منكشفة من لدن الله بوصفه المطلق
على سبيل العلم الحضوري ، وليس على سبيل العلم الحصولي ؛ لأن العلم الحضوري مقيد
في إطار علم المجرد بذاته المقدسة ، أو بمعلولاته . وذلك لحضور حقيقة المجرد وذاته
عند ذاته ؛ لأنه حقيقة نورية . فلا تغيب ذاته عن ذاته المقدسة.
إذن .. فلا استحالة
في أصل المسألة . يغدو الكشف كشفاً تفصيلياً البته ؛ لأن معطي الشيء لا يمكن بحال
أن يكون فاقد للشيء . وهذا هو المقصود بأقواله سبحانه وتعالى وسنته الشريفة :
((يعلم خائنة الاعين
وما تخفي الصدور)) غافر /19 .
((ويعلم سرهم
ونجواهم)) التوبة / 79 .
((ويعلم ما في البر
والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها)) الانعام / 59 .
((الله يعلم ما تحمل
كل أنثى وما تغيض الارحام وما تزداد)) الرعد / 8.
((والله يعلم ما
تبدون وما تكتمون)) المائدة / 99 .
((والله يعلم ما في
قلوبكم)) الاحزاب / 51 .
((والله بكل شيء
عليم)) البقرة / 282 .
((وكان الله بكل شيء
محيطا)) النساء / 125 .
((عالم الغيب لا
يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض ولا اصغر من ذلك ولا أكبر الا في
كتاب مبين)) السبأ / 4 .
((لقد خلقنا الإنسان
ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب اليه من حبل الوريد))
وقال سيد المتألهين
الامام علي (عليه السلام) :
((لم يحلل في
الاشياء فيقال هو فيها كائن ، ولم ينأعنها فيقال هو منها بائن ، وتحجبه البطون عن
الظهور ، ولا يقطعه الظهور عن البطون ، وانه بكل مكان ، وفي كل حين وأوآن ، ومع كل
إنس وجان ، ولم يقرب من الاشياء بالتصاق ، ولم يبعد عنها باحتراق ، ولا يخفى عليه
من عباده شخوص لحظة ، ولا كرور لفظة ، ولا إزدلاف ربوة ، ولا إنبساط خطوة في ليل
داج ، ولا غسق ساج يتفيأ عليه القمر المنير ، ولا تعقبه الشمس ذات النور في
الأفوال والكرور ، وتقلب الازمنة والدهور ، من إقبال ليل مقبل ، وإدبار نهار مدبر
، قبل كل غاية ومدة ، وبعد كل حصاء وعدة)) .
وسئل الامام الصادق
(عليه السلام) : أيعلم الله الشيء الذي لم يكن ان لو كان ، كيف يكون ، او لا يعلم
الا ما يكون ؟
قال (عليه السلام) :
((إن الله تعالى هو
العالم بالأشياء قبل كون الاشياء .. قال عز وجل : (انا كنا نستنسخ ما كنتم تعلمون)
.. وقال لأهل النار (ولو ردوا لعادوا لما نوا عنه وانهم لكاذبون) ، فقد علم الله
عز وجل : أنه ردهم لما ردوا لما نهوا عنه .. وقال للملائكة لما قالوا : (اتجعل
فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ؟.. ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك .. قال : اني اعلم
ما لا تعلمون) فلم يزل الله عز وجل علمه سابقاً للاشياء قديماً قبل أن يخلقها
فتبارك ربنا وتعالى علواً كبيراً ، خلق الاشياء وعلمه بها سابق لها كما شاء ، كذلك
لم يزل ربنا عليماً سميعاً بصيراً)) [10] .
وسئل (عليه السلام)
كذلك : عن الله تعالى .. اكان يعلم المكان قبل أن يخلق المكان ، ام علمه عندما
خلقه وبعدما خلقه ؟
قال : ((تعالى الله
، بل لم يزل عالماً بالمكان قبل تكوينه ، كعلمه به بعدما كونه ، وكذلك علمه بجميع
الاشياء ، كعلمه بالمكان)) [11] .
وإذا حاولنا أن نفسر
شمولية علم الباري تعالى بانه عالم منذ الازل بكل شيء من الاشياء والى أبد الابدين
.. فهذا التفسير من أخطر الموضوعات الشائكة في المباحث الكلامية والاعتقادية .
والحق يقال: ان
إمضاء هذه المسألة على صعيد العقل في منتهى الاشكال .. وكيف كان ؟.. فنستدل بـ
((الحكم العقلي)) مضافاً على ما تقدم ؟..
1 ـ ان علم الله
الازلي بكل الاشياء منذ القدم ، وعلمه كذاته أزلي .. كما على ذلك كافة الموحدين من
الفلاسفة والمتكلمين .. خلا هشام بن عمر القوطي (من المعتزلة) ، والجهم بن صفوان
(من المجبرة) .. فان هذا وذاك يزعمان من ناحية المبدأ أن العلم لا يتعلق بالمعدوم
إطلاقاً ، ولا يقع الا على موجود ، وان واجب الوجود لو علم أزلاً وأبداً بكل
الاشياء والاحوال والتقادير كلياتها وجزئياتها وقبل وقوعها وتكوينها لما حسن منه
الجزاء ، أو العقاب ، او الثواب .
2 ــ ان عنصر العلم
ذا مسارين لا ثالث لهما : أما في صميم إستكشاف الواقع . أو ما يوجبه ، شريطة له من
رؤية بديهية . فان صرحنا : ان الله عالم بكل شيء على صعيد أزلي شريطة أن نلتزم
بوجود كل شيء في الموضوعات الخارجية ، او الذهنية من وجهة أزلية . مع أنه لا يلتزم
بهذا الطرح أي باحث ، وناقد ، ومنظر . فإن الممكنات أساساً غير موجودة من منطلق
أزلي ، والمبدأ الاول لا صفة ذهنية له حتى ترتسم فيه الصور ، بل هو وجود مطلق .
هذا مع أن صورة الشيء لا تنبثق الا من إدراك الشيء ، ولو بأي لون من الالوان ،
وهذا أول الكلام . اذن ليس من المعقول معنى أن الله عالم بكل شيء على صعيد أزلي ،
فنكشف أن الاجتماع بين الامرين غير ممكن من منظور عقلي .
لا يصدر من الواحد الا شيء واحد
من خلال الاستقراء
لكلام الفلاسفة والمتكلمين من نظريات متعددة ، واجتهادات متفاوتة , لما لا يمكن أن يكون .. فاختلاف العقول ترميك في
بحر لجي تحاول فيه أن لا تجزم فيه بغير ذي ساحل ، وأغوار ليست بذات قرار مكين , فمنهم
من سلم بفرضيتها ومنهم من آمن بها ، ومنهم من رفضها ومنهم من ردها .
قبل ذلك كانت هذه
الأشكالية من حيث المبدأ في مدرسة الفكر اليوناني القديم , فكانت قائمة على أسسها
الكثير من النظريات الفلسفية من قبيل العقول العشرة.
و((ان الفارابي هو
أول من قال بالصدور ، وأنه ربما متأثر بالمعلمين النصارى لما في صدورهم من تقسيم
ثلاثي ، هذا هو الظاهر .. وأما في الجوهر فهي أفلاطينية)) [12] .
كما قال محمد عبد
الهادي أبو ريدة في حاشيته مقولة فورمس worms حيث قال الاخير :
((ان الفارابي هو
أول من أدخل مذهب الصدور في الفلسفة الإسلامية، حيث لا يوجد بيان لهذا المذهب في
رسائل الكندي المعروفة)) [13] .
ويعتقد إرون روزنتاك
: لم يكن الا رائداً وممهداً بدليل تسميته بـ ((المعلم الثاني)) .. ويعتقد كذلك
أنه : في الواقع رسم البداية لأتصال الفلسفة الاغريقية بكل فروعها بالعقيدة
الإسلامية [14] .
في الوقت الذي نرى
إبن رشد (ت1198هـ) فيلسوف قرطبة وقع في إشتباه فادح عندما قال :
((إن أرسطو واصحابه
لم يعرفوا هذا المذهب ؛ وانما روجه بين العرب ابن سينا وأصحابه)) [15] .
وهذا الكلام خلاف
الواقع التأريخي من جهة .. ليست من جهتين :
أما من منظور الجهة
الاولى ، فهو على حق ، لانه في القرن الثالث الميلادي ، وفي مدرسة الاسكندرية . برزت
النظرية التي نعرفها عن المجدد افلوطين
(ت270م) الذي حاول ايجاد علاقة جدلية بين الفلاسفة والدين لدعم ومساندة
معتقده المسيحي السائد حينذاك ولقد واقع الفارابي (ت339هـ ــ 950م) بهذا الاشتباه
الفادح ، لأن : ((تاسوعات افلوطين)) نسبت إلى ارسطوا (ت 322ق . م) إشتباهاً ، ودام
هذا الأشتباه حقبة تأريخية طويلة من الزمن ، وسار على هذا المنوال الفلاسفة
الأسلاميين ، ولولا هذا الزعم المزور لما ألف الفارابي كتابه : ((الجمع بين رأيي
الحكيمين)) .
وأما من منظور الجهة
الثانية ، فهو ليس على حق ، بأعتبار أن الاسبقية للفارابي ، وليست لأبن سينا
(ت1037م) بل وأعترفوا رواد هذه النظرية من بعده بكل أمانة وصدق بأنه وضع الحلول
لنظرية الفيض الإسلامية بخصائصها الجزئية والكلية فقد ، عبر عنه ابن سينا :
((أفضل من كل
السلف)) [16] .
ثم فخر الدين الرازي
(ت606) سار على نفس النهج وهو يعبر بهذه الكلمة :
((رئيس الحكماء على
الاطلاق)) [17] .
ونجد أبو حامد
الغزالي (ت505هـ ــ 1111م) عندما حاول ان يفن أقوال الفلاسفة من منظور متكلم أشعري
في كتابه : تهافت الفلاسفة .. واستعرض طروحاتهم في كتابه : مقاصد الفلاسفة .. صرح
عن نهجه في البحث قائلاً :
((سأقتصر على بيان
مذهب الفارابي ، وابن سينا ، لأنهما أقوم المتفلسفة في الإسلام بالعقل والتحقيق))
[18] .
وهكذا صرح ابن خلكان
(ت ) ، والبيهقي (ت ) والشهرزوري (ت 643هـ) ، وحاجي خليفة (ت ) .. أن إبن سينا
تتلمذ واستفاد [19] من مؤلفات الفارابي .
ثم إن مسألة ((الابداع)) لم يكن لها أثر بذكر
في الفكر اليوناني القديم الذي لا يسلم بالوجود من اللاوجود .. لذلك نجد فلاسفة
اليونان قبل افلوطين يصرحون بقدم العالم ، وظهرت في القرن الثالث نظرية الفيض التي
نعرفها عن افلوطين الاسكندراني ــ كما أشرنا ــ ليطرح حلاً علمياً لمسألة خلق
العالم وحدوثه .
ويمكن ــ هنا ــ
إيجاز ما استدل به الفيضيون على صحة هذه النظرية بهيكلها العام بما يلي :
يجب أن تكون بين
ناموس العلة والمعلول عملية تنسيقية ، وخصوصية متجانسة . قائمة على اساس قاعدة (
لزوم السنخية والتناسب بينهما ) .
توضيح ذلك : ان
العلة لأمر ما .. شريطة أن تغدو فيها علاقة وخصوصية تؤثر في عمق تلك العلاقة
والخصوصية في معلولها الخاص , والإ يوجب أن تؤثر كل أمر في كل أمر ، وتلك العلاقة
والخصوصية الموجودة في العلة هي التي تشخص المعلول الخاص .
وهذه العملية التنسيقية ، والخصوصية المتجانسة
سواء بسواء ، هي علة مقتضية لوجود المعلول , ولولا وجود العلاقة والخصوصية بينهما
لما استدعت العلة وجود معلول خاص ، ولكان صدور السعرات الحرارية عن القوة النارية
دون المصادر التبريدية ، وصدور التبريدية عن الماء دون القوة النارية ترجيحا بلا
مرجح، مادامت العلاقة في التيه بين الطرفين .
ينتج على أساس هذا
العرض , يجب أن يغدو معلول الواحد المجرد , واحداً مجرداً شبيه علته ، وإلا وجب أن
تغدو العلة ذات مسارين ، أو أكثر ، كما هو الشأن في معلوله ( اشكال).
ثم أن العلة المجردة
البسيطة المحضة من حيث هي لم يكن لها اجزاء مادية ولا أجزاء عقلية مطلقاً . شريطة
أن تغدو هيمنتها في المعلولات العديدة بالخصوصيات العديدة ، وهذا عكس المطلوب ،
لأنه يوجب تركيب العلة من الخصوصيات العديدة التي يختلف بها كل معقول عن المعلول
الآخر (جاوبني).
وإذا صرحنا من أن
العلة المجردة البسيطة المحضة الواحدة .. ينطلق منها اكثر من معلول ؛ بيد أن كل
رافد منها يتسم بالحقيقة البسيطة المجردة الواحدة .. فيغدو المقصود من هذا أن
المعلولات هذه تأتلف في حالة ، او لم تأتلف في حالة أخرى .. فان إتلفت من ناحية
المبدأ لم يكن هنا مورداً لأعتراض .. وأن لم تأتلف فعدم الأتلاف يباين الحقيقة
البسيطة المجردة الواحدة .
من هنا , فالموجود
الذي هو في واقع الحقيقة نفس الوجود ، لانه في منتهى التجرد لا حيثيات متعددة فيه
، ولا إرادات متجددة فيه . شريطة أن لا ينطلق منه اكثر من واحد ، لذا ذهب أصحاب
النظرية إلى أن أول ما إنطلق وصدر عن الواهب الكريم . شريطة أن يغدو مجرداً بسيطاً
لا تركيب فيه من الاجزاء الخارجية ، ولا من الاجزاء العقلية . لأن المركب مفتقر
إلى أجزائه ، وهو غير مفتقر إلى شيء .
ومن هنا .. قالوا أن
أول ما خلقه الله هو : ((العقل البسيط)) الخالي عن المادة ، والمقدار أي : الزمان
.. وهذا المعلول الأول لم يكن جسماً .. بيد أن العقل البسيط بعد إنطلاقه من المبدأ
الاول يغدو مؤطراً وممكناً . إعتباره إعتبار المخلوقات الموجودة هنا وهناك .
إذن .. فالعقل
البسيط له زيادة شيئان :
الاول : بـ ((واجب
الوجود .. وعلى هذا السبيل يغدوا واجباً بالغير وبسيطاً)) .
الثاني : إمكانه
بالذات .. بـ ((معنى إعتباره مركباً من الحد والمحدود ، ومن العلة المركبة ، ويمكن
صدور المعلول المركب)).
قال المحقق اللاهيجي
:
((إن الفاعل المستقل
إذا كان واحداً من جميع الجهات ، بحيث لا يكون فيه كثرة الاجزاء ، ولا كثرة الوجود
والماهية ، ولا يكون متصفاً بصفة حقيقية زائدة في الخارج ، أو إعتبارية زائدة في
العقل ، ولا يتوقف فعله على شرط وآلة وقابل .. فلا يمكن أن يصدر عنه في مرتبة واحدة
إلا معلول واحد .. سواء كان الفاعل موجباً ، أو مختاراً إختياره وإرادته نفس ذاته
.. والحكماء يسمون لمثل هذا المختار الفاعل بالرضاء ، وأما إذا كانت إرادته
وإختياره زائدة على ذاته .. وهو الذي يسمونه الفاعل بالقصد فهو خارج عما نحن فيه ؛
لأنه فيه إثنينية بالفعل : سواء تعددت إرادته ، أو تعلقها ، أو لا .. فلا يكون
واحداً من جميع الجهات)) [20] .
والذي يجب التنبيه
اليه ، ولا يسوغ الذهول عنه بحال أن رواد نظرية الفيض قالوا : ان العقل الاول لم يخلق مباشرة ، بل صدر
منه عقل ثان ، وجسم فلك وصورته ــ نفسه ــ وذلك لثنائيتة ، لأنه ممكن بذاته ،
وواجب بغيره ، وتفكيره بكل ، وبالله .. ينتج عنه شيئان .
عقل ثان ، وفلك
بصورته وجسمه ــ الفيض هنا ثنائي .. أو عقل ثان ، ونفس ، وفلك ــ الفيض هنا ثلاثي
..
وهكذا تتابع فيضان
العقول حتى إلى آخر العقول .. هو العقل العاشر الذي يسمى بالعقل الفعال [21] فيصد عنه هيولى [22] كافة الموجودات السفلية ،
او الصدور ، او البذور ، او النفوس ، والطبائع ، والخصائص المميزة , لأفراد واجناس
وانواع الحيوان والإنسان والنبات والجماد .
ويولي العناية الكاملة الشاملة بقضاياها ، وهذا
العقل يفيض على الافئدة البشرية المعقولات حسب طاقاتها وقدراتها ، ويشرق على
الافئدة النظيفة الطاهرة ذات القابليات الهائلة ليستمد الفيض من العقل الفعال [23]
.
ومن ثم إنطلقت
الايديولوجيات الفلسفية لتفنيذ هذه النظرية من لدن الفلاسفة ، والمتكلمين ،
والنقاد الباحثين القدامى منهم والجدد , كــ أبو حامد الغزالي [24] ، وابن رشد
[25] ، ونصير الدين الطوسي [26] (ت 672هـ ــ 1274م) ، وفخر الدين الرازي [27] ،
والشهرستاني [28] (ت 456) ، وأبو بركات البغدادي [29] (ت ) وابن تيمية [30] (ت
729هـ ــ 1328م) ، والبير نصري نادر [31] ، وسويتمان [32] ، وحمودي غرابة [33] ،
وسليمان دنيا [34] ، وخليل الجٌر ، وحنا الفاخوري [35] ، وجوزيف الهاشم [36] ،
وحسام الدين الألوسي [37] وغيرهم .
ولنأت إلى البيان
بجملة من النصوص الناقدة الموجزة فقط بـ ((خصوص نظرية : لا يصدر من الواحد الحقيقي
الا شيء واحد)) :
الاول :- يدحض
الغزالي هذه النظرية في المسألة الثالثة من المسائل العشرين [38] وهي في أن قولهم
بـ ((ان الله فاعل العالم هو مجاز وليس بحقيقة)) وينظر الغزالي إلى هذا الامر في
ثلاثة وجوه : في الفاعل ، وفي المفعول ، ثم ما يصدر عن الواحد . وبما أننا نناقش
المسألة من زاوية واحدة نطرح الوجه الاخير ، واهمه الانتقاد العام . وهذا نصه :
(يستحيل كون العالم
فعلاً لله على أصلهم ، لأنهم قالوا : لا يصدر عن الواحد الا شيء واحد .. والمبدأ
واحد من كل وجه ، والعالم مركب من مختلفات ، فلا يتصور أن يكون فعلاً لله بموجب
أصلهم ، ويجيب الفيضيون : هذا صحيح من حيث المبدأ .. بيد أننا نرى أن سبب الكثرة
تعدد الوسائط ) [39] .
ويعتقد الغزالي بأنه
:
(يلزم عن هذا التعدد
للوسائط ، ومن قولكم عن صدور الواحد عن الواحد الا يكون شيئاً مركباً ، بل تكون
الموجودات كلها آحاداً ، وكل واحد معلول لواحد وعلة الواحد .. وليس الامر كذلك ،
إذ عندهم الجسم مركب من هيولى وصورة ، وكذلك الفلك له نفس وجسم فمن أين صدر المركب
؟!.. فأما يبطل قولهم : لا يصدر عن الواحد الا واحد .. وأما يلتقي واحد بمركب)
[40] .
ونرغب أن نذكر أن
للغزالي تعليقة حينما فنّد مذهب الفيض بكل قنواته ، وبواسطة الاعتراضات الفلسفية
العديدة ، إذا كتب قائلاً :
(ما ذكرتموه تحكمات
.. وهي على التحقيق ظلمات فوق ظلمات لو حكاها الإنسان عن منام رآه لاستدل به سواء
مزاجه) [41] .
وفي موضوع آخر
يتساءل :
(فماذا تقولون أنتم
, أتزعمون أنه يصدر من الشيء الواحد من كل وجه شيئان مختلفان , فتكابرون المعقول ,
او تقولون المبدأ الاول ــ الله ــ فيه كثرة , فتتركون التوحيد , او تقولون لا
كثرة في العالم , فتنكرون الحس , او تقولون لزمت بالوسائط , فتضطرون إلى الأعتراف
بما قالوه).
وبالطبع أجاب
الغزالي :
((أنه لم يخض في هذا
الكتاب خوض ممهد ؛ وانما غرضنا التشويش ، وقد حصل على أن نقول القول صدور إثنين عن
واحد هو مكابرة للعقول ، دعوة باطلة لا تعرف بنظر أو بضرورة , وما المانع في أن
يقال : أن الله عالم قادر مريد يخلق المختلفات والمتجانسات ، وقد وردت به الأنبياء
المؤيدون بالمعجزات ، فيجب قبوله , أما البحث عن كيفية صدور الفعل من الله
بالأرادة ، ففضول ، وطمع في غير مطمع)) [42] .
الثاني :- وابن رشد
يفند هذه النظرية بأكثر من مائة صفحة قائلاً:
(إن أصحاب هذه
النظرية انما إنتبهوا اليها من جراء تشبيههم الفاعل الذي في الغالب ــ الله ــ
بالفاعل الذي بالشاهدٍ ، فلزم عن ذلك أن الفاعل ذاك يخلق موجوداً واحداً بعينه ،
وفي ذلك ما فيه من غض من شأن الله ، وتقييد لفاعليته المطلقة ، إذ أن الله فاعل
مطلق يصدر عنه فعل مطلق لا يختفي بمفعول دون مفعول ، فلم يمتنع عليه إيجاد
الكائنات البسيطة منها والمركبة).
وأضاف يقول :
(ثم ان دعواهم أن
الكثرة ، او التركيب تدخل على الموجودات من جراء العقل الاول باطلة أيضاً ، لأن
العاقل والمعقول هو شيء واحد لدى العقل البشري ناهيك بالمعقول المفارقة . فمن أين
تطرقت الكثرة إلى الكون ) [43].
الثالث :- والخواجة نصير
الدين الطوسي إتخذ من ملاك العملية الاستدلالية إثبات النظرية حجة عقلية على نقضها
حين يقول :
(لا يصدر من الواحد
الحقيقي غير الواحد ، لأنه لو صدر منه معلولان في رتبة واحدة ، وجب بالضرورة أن
يكون صدور كل منهما عنه بحيثية غير الحيثية التي صدر بها الآخر .. فهاتان
الحيثيتان إن كانتا داخلتين في ذات الواحد الحقيقي لزم أن يكون واحد حقيقياً ،
وهذا خلاف المفروض ، وان كانتا خارجتين ، فالكلام فيهما كالكلام في نفس المعلولين
، فإذا بطل الفرضان ، فالصادر الاول واحد ، وهو العقل الاول .. هذا تقرير كلام
الحكماء ، ومقتضاه :-
أن تكون العلية مطلقاً بالحيثية ، لا بالذات ،
لأن العلية بمعنى واحد ، وسنخ فارد في جميع المورد ، فعليه يجب أن يكون صدور
المعلول الواحد بحيثية واحدة ، كما كان صدور المعلولين بحيثيتين إثنين .. فهذه
الحيثية الواحدة التي لو قطعنا عنها النظر لم يوجد معلول أصلاً ، إن كانت داخلة في
ذات الواحد الحقيقي لزم خلاف المفروض ، وإن كانت خارجة ، فالكلام فيها كالكلام في
نفس المعلول .
فالحكماء غافلون عن هذه القواعد التي مهدوها ،
إن صحت توجب أن لا يصدر من المبدأ الاول ــ الله ــ الذي هو واحد حقيقي معلول
أصلاً ، وتسد في جوههم باب المعرفة ولم نجد دليلاً لما إدعاه الحكيم من الفرق بين
الصورتين بآن ذات الواحد الحقيقي بنفسها وبحسب حقيقتها البسيطة تكون علة للصادر
الأول الواحد ، وإذا تعدد المعلول في مرتبة واحدة كانت ذاته علة بالحيثية لا
بنفسها ..فالسنخية في زعمه مخصوصة بعالم التكوين ، وبمحيط المادة والمدة .. وجل
المبدأ الاول تعالى عن ذلك علواً كبيراً) [44] .
الرابع :- رفض
الفيضيون تفسير صدور كثرة عن الله بواسطة تعدد الآلآت ، أو المواد , على أساس أن
هذه إن كانت فعل الله ، فقد صدر عن الله تعالى أشياء كثيرة ، وإن كانت ليست كذلك
لم يكن الله مصدر كل شيء , واختاروا حلاً ثالثاً وهو :-
أن صدور اكثر من واحد عن الله سببه تعدد الوسطاء
والاعتبارات , ويعترض (سوتيمان) بأن نفس المشكلة التي إنتقدوا بها التفسيرين
السابقين قائمة وهي :- [45]
ألف ــ من أين
للوسيط الاول القدرة على فعل أكثر من شيء ، وليس لله تعالى نفس ذلك ؟ من أين جاءت
هذه القدرة ، إن كان من الله تعالى فقد
صدر عن الله سبحانه شيء يتصف بالوحدة والكثرة معاً ، أي أنه موجود متكثر ، او فيه
قدرة للكثير ، وإن كانت ليس من الله تعالى ، فالله جل جلاله ليس مصدر كل شيء ، فان
قيل إن معلول الاول كثرته مستمدة من صلته بالله تعالى ، ومن الوجود الذاتي ــ
كواجب وممكن ــ أي بسبب إعتبارات عقلية ، فيجب نسبة هذه الأعتبارات إلى الله تعالى
، كما فعل الصوفية ، حيث ميزوا في الله جل شأنه بين الأحدية والهوية والانية .
باء ــ الصدور عملية
بلا إرادة ــ تكرار لنقد المتكلمين والغزالي .
الخامس :- حسام
الدين الآلوسي قدم عرضاً في دراساته عن مذهب الفيض , وينتهي بعرض خمسة نقاط يرى هو
انها سلبية , ويهمنا من ذلك ما يلي :
(قولهم لا يصدر عن
الواحد الا واحد .. هو نفس مسلمة الماديين الاول .. فالمادة عند الأخيرين شيء واحد
، وتعذر بعد ذلك عليهم تفسير تنوع الأشياء .
وبالنسبة للفيضيين
غلب عليهم المنطق الشكلي الأروسطي مبدأ ذاته ، وعدم التناقض من جهة ، وتجافوا معها
واقع الاشياء وتغيرها الخ ..
من جهة ثانية :
عندما ألغو هوية الاشياء ، وأرجعوا المادي إلى العقول والعصور ، وأرجعوا الاشياء
إلى بعضها في خط تجريدي ، ينتهي بالغاء المادة وهويات للاشياء ولكنهم من جهة أخرى
فسروا الاشياء تفسيراً شكلياً دون النظر إلى محتوى الاشياء ، يتضح ذلك في معالجتهم
الواقع والاشياء الطبيعية معالجة ميتافيزيقية لا هوية ، وتحت تأثير منطق شكلي نظري
بعيد عن الواقع ، لأن الواقع متغير وتكثر وهنا نعيد نقد إبن رشد لهم من أنهم رتبوا
العلم الطبيعي على مباديء العلم الألهي ، وكان أولى بهم أن يبدأوا من العلم
الطبيعي من المتحرك ، والطبيعي لفهم عالم الطبيعة والاشياء) انتهى كلام الالوسي
[46] .
إن هذه النظرية لا
موجب من التسليم بها , التسليم بخلق العالم الاكبر والأصغر , وفق حلقات التسلسل
العقلي الذي سلم بها مذهب الفيض .
لو تنزلنا على سبيل
الفرض : أن هذه النظرية من حيث المبدأ حقيقة بديهية مسلم بها في ملامحها ، وفي
خصائصها يمكن أن نقول :-
بان عالم الوجود بما أنه في مساره حقيقة واحدة
لا نزاع في حقيقته ، بيد أن القوة والضعف هما اللذان يشخصان بين أفراده فـ ((ان
الواحد الأزلي البسيط لم يصدر منه غير الواحد)) الذي هو الوجود المشترك لعنصر
الحقيقة الواحدية الوجودية التي يتشخص بعضها عن البعض الآخر بـ ((القوة والضعف)) .
ولكن , هذا الطرح
الايجابي مع كونه يحتوي على القدرة العقلية ، والطاقة الفكرية , بأنه لا يجد
مردوداً إيجابياً من المشائيين رواد الفلسفة الارسطوطاليسية ، الذين اتجهوا إلى أن
لعنصر الوجود حقائق متضادة في جوهره واعراضه .
نعم , لقد غدا هذا
الطرح الإيجابي مدعوماً من لدن الاشراقيين رواد الفلسفة الأفلاطونية الذين راحوا
إلى أن لعنصر الوجود كله حقيقة واحدة لا غير , مادام الكون في جميع درجات وجوده
عبارة عن درجات متفاوتة في الضعف والقوة , كالنور والظلمة اللذان يضعفان تارة
ويقويان تارة أخرى .
وعلى كل حال , ان
نظرية خلق العقل قبل كل شيء آخر في هذا الوجود لا تعارض المنظور الإسلامي ، فقد
وردت النصوص الشرعية تؤيد ذلك على رأي البعض .
ولكن الاشكالية لازالت
باقية قابلة للنقض والتاييد، وهي تصور مسألة الخلق من العدم والابداع ، وفق حلقات
التسلسل العقلي الذي راح اليها أصحاب مذهب الفيض لتفاديهم بنظرية : لا يصدر من
الواحد الحقيقي مباشرة إلا شيء واحد .
يقول النص القرآني
المبارك :
((والله خالق كل شيء
، وهو الواحد القهار)) .
ويقول المذهب الفيضي
:
الله فاض عنه عقل
واحد ليس إلا ، فوجد فيه ثنائية الأمكان بالذات، والواجب بالغير , وعن هذا العقل
صنعت العقول العشر على مراحل التدرج . ولكم الاجابة؟
dr. Sajid Sharif
Atiya اعداد
سجاد الشمري sajidshamre@hotmail.com
والحمد لله رب
العالمين ....... المصادر والهوامش
........
[2] أنظر : المنظومة ، الآمدي ، ص : 178
[3] شرح اللئالئ
المنتظمة في علم المنطق والميزان ، لهادي السبزواري، ص : 198 ، ط : 1367 .
[4]الملل والنحل ، ج
: 1 ، ص : 142 ، ط :
[5] قالوا : بين هذه
المسألة وتلك رابطة ((جدلية)) يريدون أن الرابطة حتمية .. وان الاولى لابد أن تفضي
إلى الثانية .. وأن كليهما مشدودان مترابطان .. أنظر : العربية تواجه العصر ،
للسامرائي ، ط : 1982 بغداد.
[6] القوة .. عبارة
عن : ((إمكان الشيء)) .. والفعل .. عبارة عن : ((وجوده حقيقة)) .
[7] مصطلح يطلق على
كل آيديولوجيا ، أو حكم لا يعتمد على الحس والتجربة .
[8] هي نظرية
الاحزاب الماركسية التي أسسها ماركس وانجلز ، وجددها لينين .. وتسمى هذه النظرية
مادية ، لأن منظورها الفلسفي إلى الكون مادي ، وديالكتيكي ، لأن نهجها في دراسة
الظواهر الطبيعية ، والاجتماعية ، والفكيرية ديالكتيكي لا ميتافيزيقي .
[9] ان الفيلسوف
المسلم صدر الدين الشيرازي هو الذي اكتشف هذه الحركة .. والذي يلتقي معه في رافد
واحد منظري المادية الجدلية في نظرية الحركة العامة ، ومرد كل تطور أو صيرورة
اليها .. بيد أن صدر الدين يفترق من ناحية المبدأ مع المادية الجدلية ، ويستدل بـ
((حدوث العالم المسبوق بالعدم المشمول بالزمان)) مما نكتشف على عدم الصلة من
اكتشاف الحركة بصورها المختلفة وبين التصريح بـ ((القدم أم الحدوث)) .. وقبل لحظة
صرحنا يلتقي مع صدر الدين الشيرازي المنظور الماديون الدياليتيكيون في نظرية
الحركة العامة ، لأن وفاته عام ((1050هـ)) ، وولادة كارل ماركس العام 1818م .. إذن
وفاة صدر المتألهين لها الاسبقية من ولادة مؤسس المادية الدياليكتيكية بـ ((288))
عام ، وذلك بدءاً من شروعنا في كتابة هذه السطور عام 1403هـ . إذن .. أين يذهب زعم
الدياليكتيكيون الخلف أنهم وحدهم لا غير الذين اكتشفوا الاشياء ، والظواهر
الطبيعية حالة حركة وتطوراً أو صيرورة باستمرار !!!..
[10] بحار الانوار ،
للمجلسي ، ج : 4 ، ص : 78 ، ط : حجرية .
[11]المصدر السابق ،
ج : 4 ، ص : 78 .
[12] تاريخ الفلاسفة
الاسلامية ، لديبور ، ترجمة : محمد عبد الهادي أبو ريدة ، ص : 149 ، ط : القاهرة ،
1948 م
. الواحد لا يصدر عنه إلا واحد : تمسك الفلاسفة التقليديون بنظرية الواحد لا يصدر عنه إلا واحد طبقاً لوجود السنخية بين العلة والمعلول ووجود علاقة بينهما
فإذا فقد العلاقة والارتباط بين العلة والمعلول لما استدعت العلة وجود معلول معين
ولا ختل نظام مبدأ العلية و السببية.
و تقع مناقشة علمية أخرى وهي ان الواجب المطلق واحد وان العالم متعدد و لا
يعقل ان يصدر التعدد من الواحد فيلزم اما وحدة العالم أو تعدد الآلهة.
وقد أجاب محمد طاهر ال شبير الخاقاني ان من كمال الإبداع التكويني صدور الكثرة
من الواحد ولا يستلزم الاشكال أصلاً في خصوص ذات الواجب وإنّما الاشكال يمكن
تصوريه بالقياس إلى الممكنات الّتي في واقعها الفقر الذاتي دون الغناء الذاتي.
وبهذا العرض يتنور لديك حقيقة الأمر بأنه لسنا في حاجة إلى التمسك بأن المعلول الصادر
من قبل مبدأ العلة الأولى ان يكون المعلول واحداً لكفاءة العلة و صلاحيتها ان توجد
عدة معاليل في عرض واحد من غير حاجة إلى الطولية بالقياس إلى المطلق وان كان
الاشكال محققاً في جانب الممكنات.
فما ذهب إليه أفلاطون من الوساطة الواحدة وهي النفس الكلية وان النفس منبع الكثرة
أو ما اختاره الكندي (ت 252 هـ) من وجود واسطتين وهما العقل والنفس حيث أوجد
اللّه العقل وأودع فيه العقل والايجاد بواسطته أوجد النفس وتفرعت الموجودات.
أو ما ذهب إليه الفارابي من تعدد الوساطه إلى عشر : 1 ـ اللّه 2 ـ العقل التالي
مدبر الافكاك 3 ـ العقل الثالث يتفرع منه عقل رابع يدير زحلا 5 ـ العقل الخامس
يدبر المشتري 6 ـ العقل السادس يدير المريخ 7 ـ العقل السابع يدير الشمس 8 ـ العقل
الثامن يدير الزهرة 9 ـ العقل التاسع يدير عطارد 10 ـ العقل العاشر يدير القمر.
[13] المصدر السابق
، حاشية المترجم على ص : 150 .
[14] روزنتال : Rosenth Di 0E
0 I 0 I 0 : Poiticdi Thoujht
In Me Dievdi
Isiam 0 Snded
00 Cambvidge 0 Ig62
0 P 0
[15] تهافت التهافت
، لأبن رشد ، ص : 152 ، ط : بويج 1930م
[17] مناظرات في بلاد ماوراء النهر ، فخر الدين
الرازي ، ص : 20 ، ط : حيدر أباد 1355هـ .
[18] تهافت الفلاسفة
، ص: 8 ، ط : بويج / ومقاصد الفلاسفة ، المقدمة ، ط : القاهرة 1961م
[19]انظر : تاريخ
الفلاسفة الاسلامية .. وستجد مصادر تصريحات هؤلاء الاعلام في بداية حديثة عن ابن
سينا . ( [20]) الشوارق ، للآهيجي ، ج : 1
، ص : 191 .
[21] هو الذي يهب
عناصر هذا العالم الرهيب بما فيه من إنسان وحيوان ونبات وجماد صورها .. وهو الذي
يشرف على أصقاع الارض وما فيها .
[22] هي كلمة
يونانية مرادفة للمادة والجسم القابل للصورة الجسمية والنوعية (بمعنى تمام حقيقة
الشيء وماهيته التي بها هو ما هو) وكل جسم يتألف من عناصر المادة والصورة ..
وبأختصار : هي واحدة في كل الاشياء حتى في الحيوان والنبات والجماد ، وانما تتباين
الكائنات بـ ((الصورة)) ليس إلا .
[23] بما أن هذه
النظرية الفيضية القديمة هيمنة على أفكار الفارابي ، وابن سينا .. فقد ذكر
(الالوسي في كتابه : دراسات في الفكر الفلسفي الاسلامي ، ط : المؤسسة العربية
للدراسات والنشر) كتب الفارابي التي ترد فيها النظرية مع تأشيرات رئيسية هامة
فلتراجع .
[24] إنظر : تهافت
الفلاسفة ، ص :
[25] أنظر : تهافت
التهافت ،ص : 160 ، ط : بويج بيروت 1930م .
[26] أنظر : تحقيق
المذهب الحق ، للطوسي ، ص : 15 .
[27] أنظر : محصل
افكار المتقدمين والمتأخرين ، للرازي ، ص : 150 ، ط : القاهرة 1363 / وتقرير
مذهبهم ، ص : 145 وما بعدها .
[28] أنظر : نهاية
الاقدام في علبم الكلام ، ص : 56 وما بعدها نشر : جيوم أكسفورد 1934 .
[29] أنظر : المعتبر
في الحكمه ، لأبي البركات ، ط : حيدر آباد 1358 ، ج : 3 ، الفصل : 4 ، ص : 156 .
[30] أنظر : رسائل
ابن تيمية ، ج : 5 ، ص : 153 ، ط : منار القاهرة 1349 ، ج : 4 ، ص : 16 ، وعن عدم
علم الله ، ج : 3 ، ص : 160 ، وكذلك كتابه : الرد على المنطقيين ، ص : 118 وما
بعدها ، ص : 270 وما بعدها ، و ص : 231 وما بعدها و ص : 463 وما بعدها ، ط :
بمبامي 1949 .
[31] أنظر : مقدمة
وتحقيق كتاب : آراء أهل المدينة الفاضلة لنادر ، ص : 10 ، وما بعدها ، ط : بيروت
1959 .
[32] أنظر : سويتمان
:
Sweet man 1
. w .
: Isiam And
Christian The Ologr
Tondon 1945 .
Vol . L
. P . 113ff
Waizer . R . :
Creek Into Ar
Abic . Oxford .
Ig62 . P
. 3 .
[33] أنظر : ابن سينا بين الدين والفلسفة ، لغرابة ، ص : 186 ــ
197 ، ط : القاهرة 1948.
[34] أنظر : مقدمته
للجزء الأول من الارشادات ، ص : 48 ــ 58 ، ط : 1957 .
[35] أنظر : تاريخ
الفلسفة العربية ، للجر ، وللفاخوري ، ص : 120، ج : 2 ، 1958 ، ط : بيروت .
[36] الفارابي ،
للهاشم ، ص : 102 وما بعدها ، ط : بيروت 1960 .
[37] أنظر : دراسات
في الفكر الفلسفي الاسلامي ، للآلوسي ، ص : 114 وما بعدها ، ط : المؤسسة العربية
للدراسات والنشر 1400هـ .
[38] تهافت الفلاسفة
، ص : 110 . [39] المصدر السابق ، ص : 110
.
[40] المصدر السابق
، ص : 111 . [41] المصدر السابق ، ص : 113
.
[42] المصدر السابق
، ص : 131 وما بعدها .[43] تهافت التهافت ، ص : 160 وما بعد.
[44] تحقيق مذهب
الحق ــ باختصار ــ ، ص : 15 .
[45] أنظر : نفس
((تعليقات وحواشي رقم : 26 // الكتاب ذاته ، ص : 107 ، 109 .
[46] دراسات في
الفكر الفلسفي الاسلامي ، ص : 161 ، 162 .
ن
ردحذف